الأخبار- رلى ابراهيم
رفض البطريرك الماروني بشارة الراعي تلقي كرة النار التي حاولت القوات اللبنانية رميها في حضنه. ورغم أن بكركي لن تتخلى عن دورها في حث الجميع، وخصوصاً النواب منهم، على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إلا أنها لا تمانع الاتصالات والحوارات بين القوى المسيحية على مستوى تمثيلهم النيابي للمساعدة في الوصول إلى تفاهم، لكنها تريده مدخلاً يقود إلى اتفاق مع بقية اللبنانيين على هوية الرئيس المقبل. وبحسب مصادر متابعة فإن موقف الراعي يتلخص بالآتي: «الكنيسة لها دورها الوطني، وهي مكان لقاء وحوار، لكن رئيس الجمهورية لا ينتخب من قبل مرجعيته الطائفية أو المذهبية، بل يجري اختياره من قبل ممثلي جميع اللبنانيين في البرلمان».
هذا الموقف، جاء إثر محاولة الالتفاف التي قامت بها القوات بعد الحرج الذي أصابها جراء الدعوات إلى عقد لقاءات حوارية في بكركي. وبينما كان المقصود سابقاً الدعوة إلى لقاءات لأقطاب القوى المسيحية الأساسية للاجتماع مع الراعي والتداول في مواصفات واضحة أو حتى الوصول إلى سلة أسماء، فإن القوات أرادت الهروب إلى الأمام من خلال اقتراح «مجلس نيابي مسيحي مصغر» يعقد في بكركي، وتكون وظيفته اختيار اسم يحمله النواب جميعاً إلى المجلس النيابي ويخوضون المعركة باسمه في مقابل أي ترشيح يصدر عن الأطراف الأخرى. وفي بال القوات أن الأصوات التي جمعها النائب ميشال معوض مسيحية في أغلبها، وأنه يمكن لهذا الفريق تحقيق الفوز في أي اجتماع نيابي مسيحي، وعندها يتم إلزام التيار الوطني الحر وتيار المردة والآخرين بالخيار الذي يناسب القوات، بعد أن يحظى بغطاء رسمي من بكركي.
أوساط بكركي تؤكد أن البطريرك يعمل تحت ضغط الناس من جهة ومطالبة كثيرين له بلعب دور حاسم في هذا الملف، وهو ليس لديه تصور نهائي، لكنه لا يريد تكرار تجربة البطريرك الراحل نصرالله صفير بطرح أسماء أو إجراء استفتاء أو عقد اجتماع نيابي للتصويت على اسم مرشح. بل يريد القيام بما يكسر الجمود الحاصل، ولذلك يريد حواراً مع الجميع وبين الجميع. وقالت الأوساط نفسها إن ما يجري حتى الآن هو ضمان عدم توقف الحوارات حول العنوان، خصوصاً أن الاقتراحات التي جاءت إلى بكركي متنوعة وبينها ما يريد حواراً ثنائياً بين قوتين أو حواراً ثلاثياً أو رباعياً أو خلافه. كما جرت بلبلة حول ما إذا كانت بكركي مسؤولة فقط عن أصوات النواب الموارنة، بينما تسمع بكركي من القيادات الإسلامية مطالبة بأن يختار المسيحيون مرشحاً مباشراً. ولذلك طلب البطريرك عقد لقاء مع بطاركة الطوائف المسيحية الأخرى التي أعطته التفويض لإدارة العملية. وهو لم يكن يفكر بدعوة النواب المسيحيين الـ 64 كما روج البعض، لكنه يفكر بالصيغة الأمثل لتحقيق المطلوب، وهو دفع مجلس النواب إلى انتخاب رئيس بأسرع وقت. وإن كانت الأرجحية القائمة حتى الآن، هو إدارة الحوارات مع الجميع لسماع الآراء، وهي مهمة بدأها مساعدون للبطريرك الماروني، وربما تصبح مهمة رسمية في حال تعذر التوصل إلى تفاهم على لقاء سياسي في بكركي.
فخ القوات
وبينما كان البعض يرجح عقد لقاء اليوم في بكركي لجميع القوى المسيحية وحثها على الحوار في ما بينها للخروج بمرشح رئاسي توافقي. إلا أن الموعد والفكرة أيضاً تأجلا ريثما يستفتي الراعي مزاج كل القوى السياسية عقب زيارة وفد من «القوات» أمس والتقدم بمقترح يحمل ما يشبه الشروط التعجيزية.
في الأساس لم يكن البطريرك متحمساً لعقد حوار في الصرح نظراً إلى الاجتماع الرباعي الذي عقده قبيل الانتخابات الرئاسية السابقة ولم يحقق النتائج المرجوة منه. لذلك لم يتجاوب مع فكرة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الصيف الماضي بعقد جلسات حوار مماثلة، إذ فضّل الرهان على صندوق الاقتراع في المجلس النيابي. لكن مسار جلسات الانتخاب وتعطيل النصاب المتعمد، دفعا البطريرك إلى التحرك أخيراً لمحاولة كسر الجمود في ملف يتعلق بـ«الكرسي الرئاسي الماروني الوحيد في الشرق» خصوصاً بعد تخطي المهل الدستورية.
لكن مساعي الراعي اصطدمت بشروط بعض القوى المسيحية المعارضة لإفشال اللقاء طالما أن نتائجه لن تصبّ لمصلحتها ولا تخدم مشروعها السياسي. وطالما أن فكرة اللقاء بدأت بمبادرة من التيار الوطني الحر الذي تتهمه القوات بالسعي إلى «فك عزلته» وإعادة الاعتبار إلى دوره السياسي وتعويم نفسه عبر التلطي بعباءة بكركي. وسبق لنواب القوات أن أشاروا إلى هذا الأمر عند طرح باسيل للحوار نهاية العام الماضي عبر رفضهم «تحويل بكركي إلى متراس أو ساحة لتعويم باسيل» قابلتها تغريدة من قائد «القوات» سمير جعجع رداً على باسيل بالقول: «الحوار بدو أهل حوار».
لكن قرار الراعي بالدعوة إلى حوار شكّل موضوع ضغط على القوات، لا سيما أن المشكلة لم تعد مع باسيل شخصياً. فكانت زيارة النائبة ستريدا جعجع أمس لاطلاع الراعي على قرار معراب بالحضور شرط اعتماد الآلية التي سبق أن ناقشها جعجع في اتصال مع البطريرك الأسبوع الماضي. وتتمحور حول طرح كل حزب أو كتلة لاسم مرشح، على أن يتم اعتماد الاسم الذي تسميه الغالبية. واشترط القواتيون حصول بكركي على تعهد من كل القوى بالالتزام بهذه الآلية قبل تأكيد حضورهم.
ويقول رئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات» شارل جبور لـ«الأخبار» إن «لا مصلحة لعقد لقاء ينتهي بفشل الاتفاق على رئيس لتتحمله بكركي فيما التعطيل يقوم به فريق الممانعة بحرف هذه التهمة عنه لرمي المسؤولية على المسيحيين». ويؤكد أن «الآلية الأنسب هي استحصال بكركي على تعهد من المشاركين باللقاء إلى أنه سينتهي إلى نتيجة عملية تقضي بالتزام الأقلية رغبة الأكثرية مهما كانت. في هذه الحال نشارك حتماً على أن خيارنا انتخاب رئيس في مجلس النواب عبر عقد دورات متتالية».
لكن ماذا عن تصريح جعجع بأنه لن يسمح بوصول مرشح يمدد الأزمة ست سنوات أخرى؟ يجيب جبور أنه كان يفترض على القوى المعطلة الالتزام بالدستور والمهل منذ بداية الشغور، أما وأنها قد خالفت القانون فلن نوافق أبداً على السير بتوقيتها لفرض من تشاء بعد تضييع الوقت. ويختم بأن القوات حريصة على عدم ضرب صورة بكركي وعلى عدم انتهاء اللقاء بمجرد اجتماع فولكلوري.
هذه الآلية يعتبرها التيار الوطني الحر «لغماً للإطاحة بدعوة البطريرك إلى الحوار والتوافق. بدا ذلك واضحاً من دعوة النائب جعجع من بكركي من سمتهم بالأحزاب السيادية والنواب التغييريين والمستقلين إلى التعاون لانتخاب رئيس». وهذا، وفقاً للتيار، يقفل الباب على أي مسعى للحوار رغم إدراك القوات أن المعارضة عاجزة عن إيصال أي مرشح. ويقول النائب في تكتل «لبنان القوي» جورج عطالله بأن التيار «سيلبي دعوة بكركي مهما كان شكلها ومضمونها»، مشيراً إلى أن التيار «لم يتبلغ بأي آلية لإعلان موقفه حولها». وبحسب عطالله فإن «الحديث السابق مع الراعي دار حول ضرورة التوافق بين المكونات المسيحية إثر عدم تمكن فريق المعارضة من إيصال مرشحه ميشال معوض ولا نجاح الفريق الآخر بتأمين أصوات لمرشحه غير المعلن سليمان فرنجية. وبالتالي لا بدّ من خيار ثالث يسبقه التفاهم أولاً حول الرئيس وأولوياته وبرنامجه ومشروعه، والوصول إلى قواسم مشتركة ليبدأ بعدها طرح اسم أو أكثر ثم البحث بهذه الأسماء لاحقاً مع بقية القوى».
وبحسب عطالله فإن «المهم تأمين التفاف سياسي حول اسم الرئيس لينجح بمهمته. أما فرض شروط وآليات فلا يمكن وضعه إلا ضمن محاولة لغم مبادرة البطريرك وتفخيخها، خصوصاً أنه لو تمكنت «القوات» من تأمين أصوات لمرشحها الذي يحمل مشروع مواجهة لما كنا بحاجة إلى عقد اللقاء من الأساس».
ويعتبر عطالله أن دعوة 64 نائباً مسيحياً إلى الصرح «لن يأتي بأي نتيجة بل سيتحول الأمر إلى حفلة زجل. بينما المطلوب هو اجتماع القوى الأساسية للتوافق واستعادة زمام المبادرة في الملف الرئاسي».