القوات اللبنانيّة… في مهب البارانويا

رنا الساحلي

يُعتبر مرض البارانويا مرضا نفسيا وعصبيا شائعا يُعرف ايضاً *بجنون العظمة* حيث نرى الفرد يتصرف بشكل طبيعي في المجتمع ويتواصل معه بشكل جيد الا انه لا يطمئن للاخرين ويسيئ الظن بكل ما من حوله إذ يعتبرانهم يريدون اذيته ويدبرون له المكائد بل يشعر دائماً انه مستهدف وهو الذي يرسم كل حياته وكأن المكائد تلاحقه بدءاً من التفكير به وصولا إلى محاولة اغتياله كالتي انقذته منها أعجوبة الوردة الجميلة فالمريض بالبارانويا يشعر انه مميز جدا او ربما يدعي القدسية بعد سنوات من الاضطهاد التي عاشها خلف القضبان

هكذا هي حال رئيس احد الاحزاب التي تراه لا ينفك يشعر انه محور الكون والتفكير يظن ان الحزب يرغب باذيته او تنحيته عن العالم السياسي… بينما الحقيقة في المقلب الاخر ان الحزب يبتعد عن كل شيء موجود فيه هذا الحزب وقائده الدكتور المزعوم… بل اكثر في كثير من المحطات أصر على لامبالاته وتحييده في المشاورات الخاصة الثنائية بينما في محطات أخرى اعتبره مجرم حرب الثمانينات والتي كرر فعلته في الطيونة.

جنون العظمة الذي ساد موقف القوات في كثير من المحطات زاد خلال توصيفه للحزب انه حزب ذكوري يتأثر بايران باعتبارها المسيطرة على هذا الحزب فيظهر الخلل الذكوري من خلال ندرة النساء في مراكز تتبوأها في هذا التنظيم…

بالعودة إلى الجمهورية الإسلامية التي تعتبر نقطة الاشتباك الرئيسية استطاع الاعلام الغربي بسهولة كبيرة تشويه هذه الصورة وجعلها منمطة إذ خلال أشهر قليلة بدأ المتابعون برفع مطالب الحرية ورفع الظلم عن المرأة الايرانية وكانت شعار المرحلة مهسى اميني فتاة كردية تم توقيفها في مركز للشرطه وكان لسوء الحظ ان هذه الفتاة مصابة بأمراض ادت إلى وفاتها في ذلك المركز ورغم تقارير الأطباء وشهود العيان الا ان الاحتجاجات زادت وتيرتها بسبب عناصر عدة أبرزها دخول عنصر الاعلام النشط والقوي والموجه في تلك المرحلة ووضع مشاهد مفبركة تظهر كأن الشرطة هي من تعتدي على الناس فيما الحقيقة عكس ذلك تماماً حيث حاولت القوى الأمنية والشرطة المحافظة عل سلمية الاحتجاجات. لكن عنصر الموتورين كان موجوداً فبدأت أعمال الشغب بشكل منظم.

استخدام عنصر المراة كان جلياً وواضحاً في تلك المرحلة إذ اضحت هي الرمز (السانبول) في كل ساحات الاحتجاجات وهنا كان صيد الفرائس بالنسبة للغرب علماً اننا لو بحثنا بعمق لاكتشفنا ان المرأة في إيران هي نصف المجتمع بل اكثر وهي من تبحث عن هدوء في حياتها اليومية بينما يحق للرجل ان يطالب بحقوقه المهدورة والمقتطعة لأجل المراة التي تملك هناك المنزل والأثاث وكل ما تريد وفق عقد محدد مكتوب.

هذه الطاقة السلبية التي ابتدعها موقع القوات تؤكد ان المشكلة ابتداء في طريقة بحثه عن المعلومة ونقله اياها إلى المتلقي… ولنفترض انه لا يعلم فعلاً فهنا نغوص بمشكلة تواجهه بشكل اكبر وهو الجهل المركب حيث يظن انه يعلم كل هذه المعطيات والامور.

إسقاط حزب القوات لمعلوماته على البيئة التابعة لحزب الله تؤكد مرة جديدة وقوعه في فخ إعلام يكذب يكذب حتى يصدق الكذبة، فان انطلقنا من بيئة حزب الله التي تكون ركيزتها المرأة التي ضحت وقدمت أغلى ما تملك من ابناء او زوج او أخوة وتراها في مواقع الاعلام تجتاح بصلابتها وإبائها كل ما يمكن أن يقدم المراة على أنها أداة او وسيلة بل تراها تقدم الغالي والنفيس في سبيل إعلاء الحق وصوناً للكرامة.

المرأة في هذا المجتمع تراها المثقفة التي وقفت سداً منيعاً امام المؤامرات ورفضت تسليعها لأجل حفنة من الأموال التي تصرف لأجل تسخيف المراة او جعلها أداة في يد الاعلام الغربي.

نعم الطاقة الانثوية حضرت في محضر دمعة ام شهيد وزوجة جريح وابنة اتكأت على مجتمع بحد ذاته. اضحت المراة بطاقتها الحقيقية عنواناً للصمود والمقاومة كانت من شريحة تصدت للاحتلال وبقيت تقاوم حتى الرمق الاخير.

هي المرأة الحاضرة في كل الميادين الثقافية والفنية والاعلامية والمجتمعية وحتى الطبية واستطاعت ان تثبت نفسها بجدارة ويتكئ عليها المجتمع الآخر لأنها كمال له.

لقد حاول موقع القوات ان يحرض المراة في بيئة المقاومة على أنها اقل من أولئك الرجال اصحاب القرار. ولكن ان عدنا الى الركيزة الأولى لوجدنا ان للمرأة الدعم والفضل الأول في وصول الرجال إلى ما هم عليه وكما قال الامام الخميني “المراة كالقران كلاهما اوكل اليه صنع الرجال”.

من هنا لا بد أن نستحضر مجدداً المرأة في الساحة الايرانية التي تفوقت على كثير من النساء في المجتمعات الاخرى حتى المتقدمة جدا إذ انها خاضت كافة المعتركات السياسية والاعلامية والرياضية والقتالية لم تتوقف بل لم يوقفها اي عائق كانت تجتاز كل الامور. ها هي في البرلمان ورئاسة الجمهورية تأخذ قرارات وتفرض بنوداً وتوقع عقوداً تجارية…

ربما لا زال للمجتمع اللبناني الكثير للوصول إلى تلك الخطوات الموجودة في المجتمع الإيراني فالمرأة هناك لها قدسيتها واحترامها وقدرته على تبديل الاحوال بينما المراة في لبنان ككل لا زالت مضطرة ان تستمع إلى الكثير من عناوين فارغة ولا زال إدخالها في معارك ليس لها. على أمل أن تكبر الطاقة الانثوية في مجتمعنا بعد أن يشعر الرجال انهم رجال يحمون بلادهم ويقدرون السلطات ويعطون من أنفسهم لا ان يكونوا ذكوريين يرسمون أحلامهم على شكل امرأة تدير لهم امورهم بل ان يكون الرجل نصف المجتمع والمراة نصفه الاخر فيكتمل التوازن بينهما من ناحية العدالة. فابحثوا عن العدالة في مجتمعات قل فيها الرجال وظنوا انهم يحمون المراة واصيبوا “بالبارانويا”

Exit mobile version