يوماً بعد آخر يتأكد المؤكد، وهو أن التدقيق الجنائي في مصرف لبنان «طار». القصر الجمهوري ينتظر أن تنعيه شركة التدقيق رسمياً قبل الانتقال إلى الخطة «ب»لا تكاد الشركة المكلفة التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان «ألفاريز آند مارسال» تخرج من حفرة حتى يوقعها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في أخرى. آخر «إبداعاته» تسليمه إجابات منقوصة مجدداً في ما خصّ لائحة المعلومات (information request list) التي سبق للمدير العام للشركة جايمس دانيال أن طلبها، ما يعني مزيداً من المماطلة والامتناع عن التجاوب مع متطلبات التدقيق. وبحسب معلومات حصلت عليها «الأخبار»، تواصل دانيال مع وزير المال يوسف خليل ومفوضة الحكومة في مصرف لبنان كريستال واكيم طالباً إيضاحات ومعلومات لم ترده من مصرف لبنان بعد، ما دفعه إلى تأجيل زيارته لبيروت بعدما كان مفترضاً أن يحضر مع فريق متخصص للاطلاع على الداتا التي أودعها سلامة في الحاسوب الرئيسي في وزارة المال. إلا أن إمعان الأخير في تجاهل طلبات الشركة وبيان نقابة موظفي مصرف لبنان برفض تسليم البيانات الخاصة بهم، أدّيا إلى تروي دانيال
رئيس الجمهورية ميشال عون اطلع على هذه المستجدات، فأصدر بياناً أمس يحذّر حاكم مصرف لبنان من المماطلة المتعمّدة «رغم أنّ هذا التدقيق تمّ إقراره من سلطة صاحبة صلاحيّة (مجلس الوزراء) بتاريخ 28/7/2020 أيّ منذ أكثر من سنة ونصف، وذُللت عراقيله كافة بقانون أقرّه مجلس النواب برفع السريّة عن حسابات مصرف لبنان كافة». وأملت رئاسة الجمهورية «ألا يكون الرهان قد أصبح مكشوفاً بأنّ لدى حاكميّة مصرف لبنان ما تخفيه، ما يحفّز على التمسّك بالتدقيق المحاسبي الجنائي فيها» لأن «من حقّ الشعب اللبناني أن يعرف كيف نشأت وتنامت الفجوة المالية في المصرف وتعثّرت المصارف الخاصة وهُدرت أموال المودعين». النقطة الأهم في البيان تتعلق بحديث عون، للمرة الأولى رسمياً، عن إجراء قضائي يمكن اللجوء إليه بالإشارة إلى أن «المساءلة آتية وأنّ القضاء على موعد معها وسلطته على المحكّ لهذه الجهة».
وعلمت «الأخبار» أن الرئيس عون ينتظر جواباً حاسماً من شركة التدقيق الشهر الجاري، ليقابل عزوفها عن إكمال مهمتها في حال استمرار سلامة في عرقلة عمل التحقيق، بالاتكال على القضاء للمبادرة ومحاسبة الحاكم. وبحسب المصادر سيجري ذلك «إما عفواً، أي أن تقوم النيابية العامة التمييزية بالتحرك، وإما حكماً عبر تحريك وزير العدل لدعوى عامة بمقتضى المادة 14 من أصول المحاكمات الجزائية. وفي الحالتين الثابت أن سلامة يعرقل قراراً صادراً عن مجلس الوزراء الذي يتبع له».
شركة التدقيق تحسم هذا الشهر الاستمرار في مهمتها بسبب مماطلة سلامة
مصرف لبنان أصدر بياناً ردّ فيه على القصر مفنداً تواريخ إمداده شركة التدقيق بالداتا المطلوبة على مراحل. وفي النقطة السادسة، أشار سلامة إلى أنه «بتاريخ 7 كانون الأول من العام الماضي اتخذ المجلس المركزي القرار رقم 1/43/21 تاريخ 1/12/2021 الذي وافق بموجبه على تزويد شركة ألفاريز بالمعلومات المطلوبة بما لا يتنافى مع أحكام القانون رقم 81/2018 والمعايير الدولية». بطريقة أوضح، يقول سلامة لمدقق جنائي أجنبي إنه زوّد الشركة بداتا «بما لا يتنافى والمعايير الدولية»، أي أنه انتقل من عدم التعاون إلى إملاء أوامره على الشركة وما يجب أن تقوم به محدّداً لها آلية عملها وما يمكنه تزويدها به. وهذا ما تعتبره مصادر مقربة من رئيس الجمهورية «مريباً في وقت يلاحق فيه سلامة من أجهزة قضائية عالمية».