ريم عبيد
كثيرون ما زالوا يشكّكون حتى اللحظة في جدّية رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، بشأن ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور للرئاسة، وإمكانية ضمان تصويت كامل أعضاء كتلته النيابية، لا سيّما بعد أصوات الإعتراض التي خرجت من ميرنا الشالوحي، خاصة أن قوى المعارضة تعتقد أن هدف جبران من مجاراتها في تأييد جهاد أزعور، هو فقط لقطع الطريق على مرشّح “الثنائي الشيعي” سليمان فرنجية قبل أن يعود أدراجه لمحاورة “حزب الله”.
هذه المقدمة ضرورية من أجل الدخول في تفاصيل القصة التي تبدأ في اللقلوق، حيث طلب باسيل من الشيخ بيار الضاهر الحضور، وأبلغه أنه اختاره ليكون مرشّحه لرئاسة الجمهورية، مدغدغاً بذلك حلماً مارونياً عتيقاً لدى شخصية مرموقة من مجتمع النخبة السياسية والإعلامية، وصاحب شبكة واسعة من العلاقات المحلية والدولية.
إختيار باسيل للضاهر، يطرح الكثير من الأسئلة حول الأهداف التي توخّاها باسيل من هذا الخيار، وبحسب المعطيات فهو سعى الى تحقيق عدة أهداف دفعة واحدة، أولها المعروف للجميع، والمتمثل بقطع الطريق على سليمان فرنجية بمرشّح شمالي يحتفظ بعلاقة ندية قديمة بين “عرجس” وهي مسقط رأس الضاهر و”بنشعي” وهي مقر إقامة فرنجية، والمنطقتان تقعان على مرمى حجر في ما بينهما؛ وهذه العلاقة الندية والتنافسية قائمة منذ أيام الشيخ يوسف الضاهر الأب وبيت فرنجية، وبهذا يكون باسيل قد وضع أول حجر أساس لخطته في مقابل فرنجية.
وعلى خطٍ شمالي آخر، فالعلاقة متوترة جداً والخلاف عميق بين رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع والضاهر، وتعود في أساسها إلى ملكية ال lbc ، المتنازع عليها منذ نحو ثلاثين عاماً، إذ قدّر خبراء إقتصاديون في السابق أن القيمة السوقية لها، بلغت حوالي مئة مليون دولار، وذلك قبل أن تتراجع تلك القيمة بسبب الظروف والمعطيات الإقتصادية المعروفة، وطبعاً يتعامل سمير جعجع مع “المؤسسة اللبنانية للإرسال” بصفتها ملكية قواتية مسروقة، فيما يتعامل الضاهر وعائلته معها على أنها ملكية خاصة، إستناداً إلى عقود بيع حقيقية وُقّعت في أوائل التسعينات من القرن الماضي، وبهذا يكون باسيل قد دقّ إسفيناً آخراً بين الضاهر المرشّح المحتمل للرئاسة، والعضو السابق في “القوات”، وبين خصم تاريخي له.
وفي سياقٍ آخر، فإن الضاهر يرتبط بعلاقة مهمة جداً مع مسؤولين سعوديين كبار، وكذلك علاقته بالأميركيين ممتازة، وهذا ما جعل من ال( إل بي سي) المحطة الأكثر أهمية في لبنان لدى وزارة الخارجية الأميركية، وهي تتلقى دعماً كبيراً منها، كما وتعدّ إحدى الأذرع الأميركية المهمة في المنطقة، وهذه نقطة إيجابية لمصلحة الضاهر يستفيد منها باسيل في ترميم علاقاته المتوترة مع واشنطن.
بموازاة ذلك، يرتبط الضاهر بعلاقة جيدة مع عدد من مسؤولي “حزب الله”، وعلى رأسهم رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” محمد رعد، ومسؤول العلاقات الإعلامية محمد عفيف، ومسؤول لجنة الإرتباط والتنسيق وفيق صفا، وقد يكون هذا أحد الدوافع التي أملت على باسيل في حينه، التفكير بالضاهر إسماً مقبولاً نسبياً، بالرغم من علمه المسبق بأن الحزب لن يتخلى عن فرنجية.
هذا الترشيح يتقاطع فيه باسيل مع النائب وليد جنبلاط، الذي يرتبط بعلاقة مصاهرة مع آل الضاهر، فضلاً عن أن أول لقاء مصالحة عقد بين وليد جنبلاط وباسيل، منذ عدة أشهر، حصل في بيت الضاهر في أدما، وذلك بعيد القطيعة التي حصلت بينهما بسبب حوادث قبر شمون المعروفة في منتصف عهد الرئيس السابق ميشال عون.
الجدير ذكره، أنه، وفي أول لقاء حصل بين موفد البطريرك بشارة الراعي المحامي وليد غياض، وبين المسؤول عن الملف المسيحي في “حزب الله” محمد الخنسا، في منزل النائب فريد الخازن في جونيه، قدم غياض ورقةً فيها ثلاثة أسماء هي: قائد الجيش العماد جوزف عون، النائب نعمت افرام وبيار الضاهر، وذلك قبل أن يعلن البطريرك الراعي لاحقاً أنه لا يدعم أحداً ولا يرشّح أحداً.
لم يرفض الشيخ الضاهر الفكرة، لكنه ناقشها على عدة مستويات، إلى أن توصّل إلى استنتاج مفاده أن هذا الأمر غير وارد على الإطلاق، وأبلغ ذلك لباسيل مقدماً عدة أسباب لرفضه، على رأسها أوضاع البلد، والظروف غير المؤاتية بسبب التقاطعات الإقليمية الشديدة في المنطقة، وانعكاساتها على الداخل اللبناني، ولاعتباره أن السياسة السعودية الحالية تجاه لبنان ليست واضحة المعالم، وعليه، فهو لا يستطيع أن يتخذ خطوةً كبيرة بهذا الحجم دون موافقة ورضى السعودية.
بعد رفض الضاهر، ذهب باسيل الى ورقة أخرى وهي ترشيح الوزير السابق ورئيس بلدية جبيل السابق جان لوي قرداحي، الذي كان يصف نفسه أنه عريف الصف في مدرسة ‘ميل لحود السياسية، خصوصاً أنه من وقف بوجه الرئيس رفيق الحريري في ملف تخصيص شركات الهاتف الخليوي، أواخر التسعينات، إلاّ أن باسيل، اعتبر أنه بطرحه هذا يقدم مرشحاً للحزب، قريباً منه، ولا يطعن في ظهر المقاومة، وبالتالي، ظنّ أنه بذلك يمكنه تجاوز عقدة ترشيح فرنجية، علماً أنه لم يغب عن باسيل ولا حتى عن قرداحي، أن هذا الترشيح غير ممكن، لأن قرداحي غير مقبول من قبل السنّة بشكل كامل، بسبب خلافه التاريخي مع الحريري الأب، ومرفوض أيضاً من قبل المعارضة المسيحية، بسبب قربه من الرئيس السابق إميل لحود، ولكنها لم تكن تعدو عن كونها ورقة مناورة من باسيل.
مع ذلك، أوفد باسيل كلاً من الوزير السابق منصور بطيش، الذي كان مرشّح التيار لحاكمية مصرف لبنان، ومسؤول التيار الوطني الحر في منطقة جبيل، لعرض الموضوع على قرداحي، الذي رفض بحزم، مؤكداً أنه إذا أراد أن يترشّح، فلا بدّ أن يترشّح من بيت إميل لحود، أو بعد أن يطلب منه الحزب ذلك، مشيراً إلى علمه بامتلاكه المؤهلات الكفيلة بإنقاذ البلد، والمرونة الكافية لإدارة حوار وطني، ولكنه يعتبر أن فريقه السياسي لديه مرشّح واحد وهو فرنجية، وبالتالي، لا يمكنه الترشّح في مواجهته. كما أنه واجه الوفد بحقائق تمنعه عن قبول الترشيح، بقوله: “أنتم حاربتموني في جبيل، ولم تقبلوا بي نائباً ولا حتى وزيراً وأقفلتم في وجهي أبواب ميشال عون في بعبدا، والآن تطلبون مني أن أقبل الترشّح، فالهدف من وراء هذه الزيارة واضح، وانا اعتذر لست الرجل المناسب لهذا الدور”.
بعد رفض قرداحي، إنتقل باسيل إلى المرحلة الحالية، والتي أصبحت معروفة لدى الجميع، وهي طرح جهاد أزعور، الذي رُفض من قبل “القوات” أولاً، ثم عادت “القوات” عن رأيها، الأمر الذي أجبر باسيل بعد عودته من باريس إلى المضي بترشيح أزعور، وباقي القصة بات معروفاً.