الفساد وتفكك المجتمع

رفعت ابراهيم البدوي

تشهد بعض العواصم العربية بين فترة وأخرى، لقاءات واجتماعات ومؤتمرات تعقد تحت عناوين القومية والهوية والعروبة ورفض مشاريع التطبيع مع العدو الصهيوني ومنع الهيمنة الأميركية والتمسك بالقضية الفلسطينية، كقضية مركزية للعرب.

شخصياً تغمرني السعادة كلما انعقد مؤتمر في دولة عربية أو أعلن عن اجتماع نخب المجتمع العربي، وخاصة إذا ضم كبار المفكرين والباحثين والكتاب والأدباء والناشرين ورؤساء مراكز دراسات، تراهم يتوافدون من بلاد متعددة على أمل إصدار وثيقة تضع الخطط الضرورية اللازمة التي من شأنها تحصين مستقبل أجيالنا في مجتمعنا العربي.

غالباً ما انتهت المؤتمرات والاجتماعات بإعلان بيان تقليدي يحمل عناوين فضفاضة لم تعد تطرب مسامع شبابنا، وذلك نتيجة الانكفاء عن مواكبة تأمين احتياجات أجيالنا ومتطلباتهم، فصار الشباب العربي في واد يبحث عن سبل تأمين المستقبل بعيداً عن واقع بلادنا المرير، فيما الدولة ومكوناتها تراها في واد سحيق غارقة في الفساد.

لكن وبكل أسف، لم نلحظ في أي من البيانات الصادرة عن تلك الاجتماعات أو المؤتمرات التي تضم مفكرين وباحثين وكتّاباً ومراكز دراسات، أي مشروع يعنى في كيفية بناء مجتمع عربي حقيقي ومتماسك، أو بوضع خطط وأفكار من شأنها صون مستقبل الأجيال العربية، وحمايتها من الغزو الفكري والحضاري والثقافي والإعلامي الغربي، أو أقله لحماية أجيالنا من التأثيرات والإغراءات السلبية الحاصلة في مجتمعنا العربي الآخذ بالتفكك، الفاقد للدور الفاعل بين المجتمعات، وبدل أن يكون مجتمعاً مشاركاً في صنع القرارات، صار مجتمعنا العربي مجرد متلق لمقررات الدول الفاعلة وما علينا إلا التنفيذ.

نقولها وبصراحة ربما لن تعجب الكثيرين لكنها الحقيقة التي يجب مواجهتها ولو من باب النقد الذاتي.
على مدى سنوات مضت ومجتمعنا العربي آخذ بالتفكك والتحلل من المبادئ والقيم العربية وذلك لأسباب عدة منها:

إن ثقافة الفساد المستشرية في مجتمعنا، ستبقى معضلة أساسية أمام بناء مجتمع عربي صحيح ومتماسك ملتزم بالعقيدة والمبادئ الوطنية، لأن عمليات السطو المنظم والفساد الحاصل أضحت جرثومة قاتلة تتوالد وتتكاثر بشكل مروع، كفيلة بضرب آمال ومستقبل الشباب وفي شل قدراتهم وبتسميم فكر الأجيال، الأمر الذي يسهم بالقضاء على الهوية الوطنية والعربية وباضمحلال الالتزام بالمبادئ والقيم والانتماء الوطني.

نقول وبصراحة إن نتائج اجتماعات المفكرين والكتاب العرب بقيت جامدة ومتجمدة، لم تحمل أي جديد ولم تلحظ الانحراف الحاصل في قناعات وحياة الشباب العربي، ولم تأخذ بالحسبان مدى انتشار ثقافة الفساد المتمثلة بإهمال الأنظمة المتقاعسة عن ترشيد التنمية الفكرية والعلمية في مجتمعنا للإنسان العربي، بل على العكس تماماً نستطيع القول إن ثقافة الفساد حققت انتصاراً بائناً على مفهوم النظام والدولة واستحكمت بمفاصلها، وبالتالي استحكمت بالمجتمع، فضاعت علينا فرصة بناء الإنسان العربي الذي أحيل إلى كائن عاجز مغلوب على أمره مأخوذ بتأمين حاجاته المعيشية اليومية، ولو كانت مجردة من القيم والأخلاق والمبادئ، وذلك لضمان الاستمرار في الحياة ولو كانت ذليلة، لا فرق بين الحرام والحلال أو بين المبادئ والقيم وبين الفساد والفجور، الأمر الذي أفقد الإنسان فكرة الانتماء إلى مجتمع صحيح والتمسك بالمبادئ الوطنية، فصار المجتمع العربي على هامش الوجود بين الأمم والمجتمعات فاقد الثقة بالغد وبالمستقبل.

إن الاهتمام المهيمن على تفكير الفرد في مجتمعنا بات منصباً على اقتناص الفرص، ولو عن طريق الانخراط بين الفاسدين والاحتماء بهم لتجنب ظلم المافيات الفارضة للخوات والأتاوات، والمحمية من بعض رموز الدولة أو من بعض الضباط، وهذا ما تسبب في إغلاق أفق العيش والتقدم والتطور، وكأننا عدنا إلى زمن السلطنة العثمانية الأمر الذي أفقد مجتمعنا عامل التماسك والتعاضد لتسود المصلحة الفردية في المجتمع.

لا يمكن الجمع بين المشكلة والقضية أي بين الفساد وبين القضية الوطنية، فالمشكلة غالباً تطغى على القضية، فكيف يمكن للإنسان العربي الالتزام بالقضايا القومية وبالهوية ومطالبته بالصمود، فيما يواجه مشكلة حرمان أطفاله من الخبز والقوت والدواء والطبابة ومن عوامل التدفئة والتعليم في وطنه.

لا يمكن لأي مجتمع الانتصار على العدو لطالما بقي الفساد في مجتمعنا العربي محمياً ومغطى من السلطة نفسها، محتكراً للقمة عيش المواطن الطيب، فالفساد هو عدو شرس ومقاومته لا تقل أهمية عن مقاومة عدو محتل للأرض.

لا ننكر فعل المؤامرة الغربية الهادفة إلى تجويع شعبنا ومجتمعنا وخاصة في بلاد الشام، لكن علينا الإقرار بفشلنا في مكافحة الفساد وسطوة المافيات في بلادنا، وعلينا الاعتراف، بتقاعسنا عن وضع خطط وبدائل تكفل تماسك المجتمع وبقاءه متجذراً في مبادئه الوطنية رغم كل الصعوبات والعقوبات.

نحن في مجتمع بلاد الشام مستهدفون في لبنان وسورية والعراق والأردن وفلسطين بشكل دائم، ومن أجل الحفاظ على تماسك مجتمعنا ومنعه من التفكك ولضمان مستقبل الأجيال، وجب على المفكرين والباحثين والكتاب العرب في هذه البلاد إعادة النظر بعناوين بياناتهم الفضفاضة، والتركيز على ورشة عمل جدية، لوضع الدراسات والخطط لمكافحة آفة الفساد، لأنها العائق الأساس أمام تنمية وتطور الفكر العربي، ولأن ثقافة الفساد المتبعة ستؤدي حتماً إلى تفكيك عوامل التضامن والصمود في أي مجتمع.

Exit mobile version