يحتل “سيد الفراغ” المشهد بأكمله، وبالرغم من السعي الذي بذلته بعض القوى السياسية من أجل تشكيل الحكومة ، إلا أن الضجيج والمشاحنات والتقاذف والتراشق الكلامي كرّس الفراغ أكثر فأكثر، ولعل تشكيل الحكومة فيما لو كان قد حصل، كان سيدفع باتجاه معطيات تحلُ من الازمات، التي لا بد من وجودُ هيئة تنفيذية للوصول الى حلول ولو مبدئيةٍ لها، خصوصاً فيما يتعلق بموضوع الكهرباء ومعالجة الوضع الاقتصادي
وأمام ما يجري، وبعد كل التسويات والمبادرات التي كانت قد عرضت، تتجه الانظار الى الدعوات البديلة التي بدأت تلوح في الأفق، بعد أن أخفقت دعوة السفيرة السويسرية منذ فترة لحل الأزمة بسبب البعض، حيث أن المخاوف والهواجس ادت الى فشلها بعد ان تلقت الدعوة صفعة من بعض القوى التي باتت معروفة الانتماءات والتوجهات، والحجة لدى هؤلاء ان هذه الدعوة هي بمثابة نسف لاتفاق الطائف. مع العلم وبحسب كل المعطيات، فإنها لم تكن سوى دعوة للقاء بين الاطراف برعاية بعض الجمعيات المقربة من سويسرا، حيث كانت الدعوة بدايتها عشاءٌ في منزل السفيرة السويسرية في بيروت.
على خطٍ موازٍ للدعوات ، تحركت السعودية عبر سفيرها في لبنان وليد البخاري باتجاه دعوة للقاءٍ يتعلق بتثبيت كل ما انبثق عن مؤتمر الطائف، واعادة احياء بعض بنوده التي كرسها الوضع الطائفي السني لما له من علاقة بالصلاحيات ، لذلك تعتبر بعض القوى السياسية ان المس بالطائف هو مس بالطائفة السنية.
مصدر سياسي أكدَّ أن كل ذلك يأتي في ظل اجواء ضبابيةٍ ومشاحنات سياسية ، مشيراً الى ان كل ما يحصل هو نتيجة الانقسامات الحادة بين الاطراف والقوى السياسية كافة ، وأكد ان دعوة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الى طاولة الحوار من أجل التوصل الى انتخاب رئيس للجمهورية، لن تلقى آذاناً صاغية بسبب الاختلاف في وجهات النظر بين الاطراف السياسية كافةً، ناهيك عن الاتهامات المتبادلة بين هذه القوى .
ويضيفُ المصدر أن بعض القوى ترى في دعوة بري مضيعةً للوقت ، ويعتبر المصدر أن الوقت ضيقٌ جدا،ً ولبنان بأمسّ الحاجة لتسمية رئيس توافقي غير تصادمي، دون الدعوة الى جلسات لا طائلة ولا جدوى منها .
ويرى المصدر نفسه، ان الوضع الاقليمي والدولي وسقوط التسويات التي كانت من المفترض أن تحصل وتأخرت بسبب التغيرات الاقليمية والدولية في الآونة الاخيرة، خاصة نتيجة استمرار العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا، والتي اعادت خلط الاوراق مرة جديدة ليعود الاتفاق بين الدول كلٌ حسب مصالحه، خاصة في موضوع النفط والغاز، الذي بات يشكل مشكلةً أساسيةً صعبةً في المنطقة، ويفرض الانقسامات الحادة بين الافرقاء المقربين من بعضهم البعض والخصوم في آنٍ واحد، إضافةً الى التراجع الدولي الذي سببه توقف الاتفاق النووي وفشل المفاوضات الايرانية – الاميركية في فيينا ، كما كانت الانظار تتجه الى التقارب السعودي – السوري في المرحلة الأخيرة وفتح سفارة للمملكة في طهران، واعادة الحركة الديبلوماسية بين السعودية وطهران.
كل هذه التسويات تخضع من الآن وصاعدا الى المصالح المشتركة المتبادلة بين كل القوى السياسية، والتي شهدنا آخرها في قضية الترسيم بين لبنان والعدو الاسرائيلي، والتي بذلت الادارة الاميركية جهوداً حثيثةً وانصبت على تعويم اتفاق الترسيم، مع العلم ان “اسرائيل” كانت جاهزة لهذه الخطوة، خاصة فيما خص حقل “كاريش” التي بدأت فعلياً باستخراج النفط منها بعدما توقفت عن ذلك، بفعل التهديدات التي قامت بها قوى الأمر الواقع للمقاومة والتي اجبرتها على التنازل والتراجع عن بعض الحقوق العائدة للثروة المائية اللبنانية وما تحتويه من خزائن نفط وغاز