كتب كمال ذبيان في “الديار”:
الحل الديبلوماسي لوقف الحرب «الاسرائيلية» التدميرية على لبنان معلّق، ان لم يكن معطلا، فليس من طريق سالكة امامه، وهو المشهد نفسه الذي تكرر في غزة منذ عام، فسقطت كل محاولات الاتفاق على الهدنة، لان العدو الاسرائيلي قرر ان يقضي على حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، وان رئيس حكومته بنيامين نتانياهو غير مكترث بوجود رهائن «اسرائيليين» اسروا اثناء عملية طوفان الاقصى في 7 تشرين الاول 2023، ونجحت هدنتان في تبادل الرهائن «الاسرائيليين» بأسرى فلسطينيين.
فخلال سنة من حرب الاسناد لغزة التي فتحها حزب الله، كانت الحركة الديبلوماسية خجولة تجاه لبنان، الذي زاره الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكشتاين مرات عدة، وطرح ترسيم الحدود البرية ووقف المواجهة العسكرية عند الشريط الحدودي في الجنوب مع فلسطين المحتلة، فكان رد الحكومة اللبنانية والرئيس نبيه بري ان الحدود البرية مرسمة ، وعلى العدو الاسرائيلي تطبيق القرار 1701 والانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي لمدينة الغجر، واعادة 13 نقطة عند الخط الازرق استولى عليها الاحتلال الاسرائيلي، وان تقوم اميركا بدور في وقف الحرب «الاسرائيلية» على غزة، فتهدأ جبهة لبنان فورا لانها للاسناد.
لكن الحرب استمرت على القطاع، وبدأ العدو الاسرائيلي يوسع الحرب جغرافيا على لبنان، فكانت المقاومة ترد عليه وترفض الخروج عن قواعد الاشتباك وتوسيع الحرب، حرصا على المصلحة الوطنية اللبنانية كما اعلن اكثر من مسؤول في حزب الله، وعلى رأسهم امينه العام الراحل الشهيد السيد حسن نصرالله.
وتبين ان نتانياهو سبق له وقرر ان يكون لبنان الجبهة الرئيسية في حربه على المقاومة، لكن اميركا لم توافقه الرأي، واعطى الرئيس الاميركي جو بايدن الضوء الاخضر للعدو الاسرائيلي بالحرب على غزة والقضاء على حماس واستعادة الرهائن «الاسرائيليين»، لكن الجيش «الاسرائيلي» لم يتمكن من تحقيق هدف الحرب، وافشل نتانياهو كل مبادرات وقف النار، ومصلحته في ذلك انه يريد ان يسجل انتصارات تحقق معتقداته التوراتية باقامة «مملكة اسرائيل الكبرى»، ويمنع على الكيان الصهيوني الوقوع في «الخراب الثالث».
ولما رفض نتانياهو وقف الحرب على غزة، بدأت الحرب على لبنان تتوسع، واتخذ مجلس الوزراء المصغر قرار نقل الثقل العسكري الى الجبهة الشمالية مع لبنان، فوافق مجلس الحرب («الكابينت») عليها ، واستهلها العدو الاسرائيلي بتفجير اجهزة الاتصال بعناصر حزب الله، واستكملها بالاغتيالات التي كانت بدأت بقادة «قوات الرضوان»، فكان اغتيال فؤاد شكر في 30 تموز الماضي، ليصل المسلسل الى السيد الشهيد نصرالله في 27 ايلول.
وعندما تأكد العدو الاسرائيلي من استشهاد الامين لاعام لحزب الله، اعطى نتانياهو قرار بدء الحرب، بعد ان القى خطابه في الامم المتحدة وحدد اهدافها باقامة «الشرق الاوسط الجديد» الذي تكون الحياة فيه نعمة ، ودعا من تأخر من الدول العربية الالتحاق به، لا سيما السعودية، لان محور الشر والنقمة الذي تمثله ايران وحلفاؤها، هم الى زوال وفق ما اكد نتانياهو، وان حزب الله في لبنان وهو ابرز واهم حليف لايران الذي انشأته في العام 1982 ، ويجب القضاء عليه وينتهي وجود الاذرعة الباقية وتضعف ايران، فيجري تغيير النظام فيها وفق ما كشف نتانياهو، الذي لن يوقف الحرب التي وصفها «بحرب القيامة» التي يؤمن «التوراتيون» بحصولها، كي تنعم «اسرائيل» بالوجود الامن بعد حروب وفوضى في العالم، وتصبح القطب الاقوى في خارطة «الشرق الاوسط»، التي ترسم على دماء الفلسطينيين واللبنانيين، ومعهم العراقيون والسوريون واليمنيون وحتى الايرانيين، وفي كل دولة من هذه الدول حصلت حروب واقتتال وانقسامات واحتلالات، وكل ذلك يخدم المخطط الصهيوني المدعوم من «المسيحية الصهيونية» في اميركا، التي تمسك بادارتها ومفاصل القرار فيها.
من هنا، فان الحرب لن تتوقف لا في غزة ولبنان، الذي ووفق مراجع رسمية فيه لا توجد حركة سياسية وديبلوماسية دولية لوقف الحرب على لبنان، فلم يأت اي موفد الى بيروت منذ بدء الحرب قبل نحو عشرة ايام ، ولا اتصالات مع المسؤولين اللبنانيين من قبل مراجع خارجية، سوى من فرنسا كما ينقل زوار عين التينة عن الرئيس بري، الذي يقول ان اميركا لا تريد للحرب ان تتوقف على لبنان، سوى من بعض تحذيرات لنتانياهو كي لا يخرج عن سياق هدف الحرب ، وهو القضاء على حزب الله وضمان امن «اسرائيل» وعودة سكان شمال فلسطين اليها.
وابلغ ديبلوماسيون ومنهم اميركيون دولا اجنبية وعربية، بان اميركا ليست متحمسة لوقف الحرب على لبنان، وهي لن تقوم بمسعى ديبلوماسي في هذا الشأن، وهذا ما كشفه بري بان واشنطن تنصلت من البيان المشترك مع فرنسا، والذي ايدته دول عدة، واكد على هدنة لمدة 21 يوما في لبنان، يبدأ البحث خلاله بآلية تطبيق القرار 1701 ،متزامنا مع تنفيذ القرار 2735 المتعلق بوقف الحرب على غزة. لكن اميركا التي وافقت على البيان رفضت وضعه موضع التنفيذ، لان العدو الاسرائيلي لم يبدأ الحرب بعد على لبنان، وهو ما زال في البدايات ولن يوقفها حتى يستسلم حزب الله ويدمر سلاحه كما يعتقد.
فاميركا انهت صلاحيات البيان الذي اصدرته مع فرنسا، واجازت لنتانياهو استمرار الحرب على لبنان، التي ستكون منصة له ليتوجه نحو ايران التي هي رأس «محور الشر» كما يصفها، ولا يمانع ان تصبح الحرب شاملة واقليمية ودولية، فهو في المنطقة يمثل خط الدفاع الاول عن الحضارة والحرية وازدهار الشعوب ضد التخلف والاستبداد والفقر الذي تمثله ايران، كما يعتقد.
فالحرب على لبنان وهي الثالثة الواسعة، سعى اليها العدو الاسرائيلي وسمحت بها اميركا، لكن المقاومة في الميدان تحقق انجازات تمنع الاحتلال «الاسرائيلي» من التقدم بريا.