الاخبار الرئيسيةمقالات

الطلاب اللبنانيّون في روسيا «بلا مصروف»

الاخبار- راجانا حمية

يواجه الطلاب اللبنانيون في روسيا أزمة مالية مجدداً في ظلّ توقف التحويلات المالية إليهم بعد فصل روسيا عن نظام “سويفت” العالمي. البدائل التي يعتمدون عليها هي المساعدات من أبناء الجالية اللبنانية أو الاقتراض على أن يعيد الأهل في لبنان الأموال إلى أصحابها

ليست الحرب بذاتها ما يعكّر صفو حياة الطلاب اللبنانيين الذين يتابعون دراساتهم في المدن الروسية. صحيح أن هؤلاء لم يختبروا، كما الطلاب اللبنانيين في أوكرانيا، الحياة على وقع القصف ولا المشي ساعات وأياماً للوصول إلى أماكن آمنة، إلا أنهم يعيشون اليوم أثرها في كل تفصيل من تفاصيل حياتهم. فعلى الرغم من الهدوء النسبي، يفتقد الطلاب اللبنانيون في روسيا الذين يبلغ عددهم نحو 800 طالب، استقرارهم المعيشي. وكلما طال أمد الحرب يتضاعف هذا الفقدان الذي يلمسونه اليوم “لمس اليد”، على ما يقول حسين حبيب، الطالب في مدينة كراسنودار الروسية.

يعيش الطلاب اللبنانيون في روسيا كلّ يوم بيومه في ظلّ نقص السيولة بين أيدي الغالبية منهم، وانعدامها لدى البعض الآخر. ولئن كان الطلاب قد اعتادوا منذ بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان على الشحّ، إلا أنّ هذا الهمّ تضاعف مع فصل روسيا عن نظام الدفع العالمي (سويفت)، بحيث بات مستحيلاً على الأهالي التحويل إلى أبنائهم عبر الوسائل التي كانت لا تزال متاحة في فترات معينة (OMT مثلاً)، كما الحال بالنسبة إلى الطلاب الذين باتوا يجدون صعوبة في التحويل عبر البطاقات بين المناطق أو حتى تصريف ما في حوزتهم من أموال بعملات أخرى إلى الروبل.

العمل في العتالة
ولعلّ أكثر المتضررين هم المقيمون في المناطق البعيدة عن مركز العاصمة موسكو وسانت بطرسبرغ (حوالى 45% إلى 50% من الطلاب يقيمون في هاتين المدينتين)، كمدن روستوف وريزان وبينزا… لأن معظم من يسكنها من اللبنانيين هم من الطلاب غير العاملين والذين يتلقون مصاريفهم من عائلاتهم. الأزمة مضاعفة أيضاً ليس فقط لأن الكثيرين منهم باتوا “بلا مصروف. بالأرض”، يقول الطالب محمد علي شومان الذي يقطن مدينة بينزا، وإنما أيضاً لأن الغلاء المعيشي “بات أشبه بالوضع في لبنان”.
محمد، الطالب في السنة الثالثة في كلية طب الأسنان يضطر اليوم للعمل في أوقات فراغه من دروسه كي يؤمن بدل معيشته هناك، وغالباً ما تكون تلك الأشغال “معروفة بالنسبة إلى الأجانب في روسيا ومنهم اللبنانيون”، ثم يردف “يعني عم نضطر نشتغل عتالة بنص دولار على الساعة لحتى ندبّر أمورنا”. اليوم، لا يجني هذا العمل أكثر من 100 إلى 200 دولار أميركي، فيما المعيشة فاقت هذا المبلغ، فبحسب شومان “لتعيش بدك 400 دولار شهرياً”، هذا من دون احتساب أقساط الجامعات، والتي لجأ بعضها إلى تغريم الطلاب مبالغ إضافية عن كل يوم تأخير.

… والإقامة الجماعية
دفع هذا الشحّ بالسيولة بمحمد علي وعدد من زملائه إلى البحث عن حلول لتخفيف المصاريف، فلجأوا إلى “الإقامة في غرفة واحدة والاقتصاد في المصروف”، فبدلاً من “أن يكون كل طالبين أو ثلاثة في غرفة، بات اليوم بعض الطلاب يتساعدون في إيجار الغرفة ويقيمون أربعة أو خمسة فيها”.
أما آخرون، ومنهم حسين حبيب فقد لجأ إلى الاستدانة من أحد اللبنانيين “كان سيرسل مبلغاً لأهله في لبنان فاتفقت معه على أن آخذ المبلغ منه على أن يتكفّل أهلي بإعطاء المال لأهله في لبنان”. وإن كان كثيرون يحذون حذو حسين، إلا أنهم باتوا اليوم يدفعون دون ذلك “ضريبة بالتحويل من الدولار إلى الروبل”، يقول أحد الطلاب الذي رفض ذكر اسمه، مشيراً إلى أنه في آخر مرة دفع “50 دولاراً لقاء تحويل 300 دولار”. وهذا أمر رائج اليوم مع الأزمة، كما يشير حسين جلوس، والد أحد الطلاب في روستوف الروسية، لافتاً إلى أن أحد الأشخاص “كان ينوي الذهاب إلى موسكو وقد طلب أن يأخذ 200 دولار مقابل إيصال مبلغ 500 دولار إلى موسكو”. ولأن هذا المبلغ يفوق قدرة حسين، لم يرسل المال إلى ابنه. أول من أمس، “دبّر” حسين لابنه 35 ألف روبل (تقارب 100 دولار) عبر “أشخاص مقيمين في أفريقيا ولديهم قريب في روسيا حوّل المبلغ إلى علي ومن ثم دفعناه في لبنان لأقاربهم”.

في موسكو الوضع أفضل
الوضع مختلف في المدن الكبيرة مثل موسكو وسانت بطرسبرغ، اللتين تعجّان باللبنانيين المتنقلين بين لبنان وروسيا، على ما يقول رئيس جمعية خرّيجي معاهد وجامعات الاتحاد السوفياتي وروسيا الدكتور طوني معلوف. أضف إلى ذلك أن معظم هؤلاء عاملون ومقيمون في البلد. هذا الوجود يخفّف بعض الشيء من حجم الأزمة لناحيتين: أولاً المساعدات التي يقدّمها بعض أبناء الجالية إلى الطلاب المحتاجين، وما قام ويقوم به البيت اللبناني في روسيا، وثانياً لجوء الطلاب أنفسهم إلى بعض اللبنانيين هناك لاقتراض الأموال، على أن يعيدها أهلهم إلى أهل المدين وأقاربه في لبنان وقد باتت هذه الحالة رائجة اليوم في موسكو.

لا خيارات كثيرة متاحة أمام الطلاب والأهالي لحلّ أزمة السيولة، هذا ما يقوله الدكتور طوني معلوف. فإما أن يتقاسم الطلاب ما يملكونه في ما بينهم أو أن تحاول “بعض المؤسسات دعم الطلاب ومساعدتهم، وقد قام البيت اللبناني في روسيا بجمع مساعدات مالية للطلاب خلال الأزمة إلى حين أن يتدبّر الوضع”. المشكلة بالنسبة إلى معلوف هي في السيولة فلا أحد يملك الكاش، إذ إن التعامل إما عبر البطاقة المصرفية أو عبر الهاتف وبالعملة المحلية”.

أما السفارة، فغالباً ما توصف أنشطة السفراء في الخارج بالخجولة، وهو حال ينعكس على السفارة اللبنانية في روسيا، حيث يشير معظم الطلاب الذين تحدثنا إليهم إلى أن هذه الأخيرة “لم تسأل عنهم لا بإيام العزّ ولا بإيام الحرب”.

زر الذهاب إلى الأعلى