الاخبار الرئيسيةالصحافة اليوممقالات

الضهيرة على مسافة صفر: من هنا بدأ العدوان

الضهيرة على مسافة صفر: من هنا بدأ العدوان

كتبت آمال خليل في “الأخبار”:

دفعت الضهيرة ثمناً باهظاً، إذ كانت فاتحة العدوان الإسرائيلي في الثامن من تشرين الأول 2023. طوال سنة ونصف سنة، لم يتوقف الانتقام الإسرائيلي منها. بعد الغارات والقصف المدفعي، جاء دور التفجيرات والنسف خلال عملية التوغل البري حتى انتهاء مهلة الستين يوماً.

في اليوم التالي لانتهاء المهلة، بدت البلدة الصغيرة كحقل مترام من الأزهار والأعشاب يشوبه ركام هنا وهناك. هكذا أحبت صابرين فنش أن ترى بلدتها وليس كبلدة منكوبة. الصبية التي لا تتذكر الكثير عن عدوان تموز 2006، تسكن أحد المنازل التي شُيدت على بعد أمتار من الجدار الفاصل بين الضهيرة الفوقا وعرب العرامشة. طوال سنوات، كانت تراقب موقع الجرداح الإسرائيلي من شباك غرفتها. في الثامن من تشرين الأول 2023، تلقّى منزلها أول قذيفة مدفعية، قبل أن يُدمر الحي بأكمله، ولم يسلم حتى مسجد الضهيرة الفوقا من النسف بعد توغل الاحتلال في تشرين الأول الماضي.

بعد العودة، لم تتمكن فنش من تفقد ركام منزلها. كل من يقترب من تلة الجرداح، يتعرض لإطلاق نار. يشير محمد الغريب إلى ركام منزله، حيث كان «حي الفيلات والمنازل المرتّبة» المحاذية للجدار الإسرائيلي. صار الحي ركاماً ولم تبقَ منه سوى لافتة «شارع ملك اللايف» التي ثبّتها أحد أبناء الحي المهاجرين. تضاعفت المأساة في الضهيرة الفوقا بعد العثور على غضية السويد جثة متحللة في منزلها. بعد التوغل الإسرائيلي، اعتقل جنود العدو السبعينية ونقلوها إلى عرب العرامشة قبل أن يعيدوها إلى الضهيرة. وبحسب جارها الغريب، تعرّضت لإطلاق نار في رأسها.

على مفرق منزلها، كانت أديبة أبو ساري تتفيأ تحت سقف منزل مهدّم وتعدّ الشاي لتقديمه للجيران. أحضرت العدة معها من المدرسة التي لا تزال تقيم فيها في صور مع بعض أهالي الضهيرة. لم تتعرف إلى طريق منزلها لدى عودتها صباح الأحد الماضي، وهو ما تكرر مع غالبية الأهالي.

على سواعد أحفادها، اتّكأت مسنّة لتتفقد منزلها الذي كان مؤلّفاً من ثلاث طبقات. تعدّد الرزق الذي ضاع مع المنزل: أشجار الزيتون وجرار الزيت والتبغ… ابنة السبعة والسبعين عاماً، ألقت نظرة وداع على الضهيرة. «أولادي وأحفادي سيقيمون فيها، لكن أنا لم أعد أملك الوقت الكافي». فيما يبدي الأهالي خشية من التأخر في صرف التعويضات والبدء بإعادة الإعمار، «لأننا نعيش من الزراعة والوظائف، ولا نملك ثروات لنتحمل البقاء طويلاً في النزوح».

في اليومين الماضيين، عاد أهل الضهيرة وجاراتها البستان وأم التوت ويارين ومروحين لتمضية النهار قبل مغادرتهم قبل حلول المساء. «لا يزال الأهالي يخشون من توغل العدو لأننا على مسافة صفر مع المواقع الإسرائيلية التي ترصدنا بدقّة».

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى