لم يكتمل «الخرق الإيجابي» المتواضع الذي أحدثه في «كتل الإسمنت» السياسي اجتماع قصر بعبدا قبل أيام بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والذي تخلّله اتصال مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، أكّد خلاله عون موافقته على فتح دورة استثنائية لمجلس النواب.
مع انّ عون وقّع بالفعل مرسوم دعوة المجلس النيابي الى عقد استثنائي يمتد من 10 كانون الثاني الحالي حتى 21 آذار المقبل، الّا انّ إيجابيات التوقيع الرئاسي اهتزت سريعاً بفعل بروز تباين طارئ بين بعبدا وعين التينة حول تفسير الدستور والصلاحيات في ما يتعلق بوضع جدول أعمال الدورة الاستثنائية، بعدما تمّ إرفاق المرسوم الذي وقّعه عون وميقاتي بمشاريع محدّدة، على قاعدة انّ المادة 33 من الدستور تمنح رئيسي الجمهورية والحكومة وبالاتفاق بينهما، حق تحديد توقيت الدورة وبرنامجها، وفق اجتهاد قصر بعبدا الذي يعتبر انّه إذا كان لم يتمّ سابقاً تطبيق هذا النص، فلا يعني ذلك الاستمرار في تجاهله وإهماله.
بالطبع لم ترق المسألة لبري، الذي وجد انّ ما حصل يشكّل انتقاصاً من صلاحيات مكتب المجلس وتجاوزاً له، في محاولة لفرض امر واقع عليه، ما ولّد لدى اوساط عين التينة شعوراً بأنّ هدية بعبدا (القبول بفتح دورة استثنائية) لم تكن بريئة، فبادر بري الى إصدار بيان «تصويبي» أكّد فيه انّ المجلس سيّد نفسه، ولا يقيّده أي وصف للمشاريع أو الإقتراحات التي يقرّر مكتب المجلس طرحها، مشيراً الى انّه يعود لرئيس الجمهورية حق الردّ بعد صدورها عن الهيئة العامة.
هكذا، وبدل ان يساهم فتح الدورة الاستثنائية في إقفال بعض أبواب خلاف عون – بري كما كانت توحي المؤشرات الأولى، إذا بباب جديد لأزمة الثقة يُفتح بين الجانبين.
ولئن كان توقيع العقد الاستثنائي سيعيد تحريك عجلة السلطة التشريعية بعد إزالة الالتباس المستجد، الّا انّ مفتاح مجلس الوزراء لا يزال ضائعاً في أروقة وزارة العدل، في انتظار إيجاد حل لأزمة حركة «امل» و«حزب الله» مع المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار.
وبهذا المعنى، فإنّ «العقد الاستثنائي» لا يبدو أنّه كافٍ لمعالجة «العقدة الحكومية»، وإن كان عون وميقاتي يأملان في أن يلاقي «الثنائي» مبادرة حسن نية التي صدرت عن عون، عبر قبوله الطوعي بفتح دورة استثنائية من شأنها تمديد الحصانة الدستورية للنائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر في مواجهة ملاحقات البيطار.
ولعلّ رئيسي الجمهورية والحكومة يفترضان انّ الردّ على «مرونة» عون يكون على الاقل في قبول الحزب والحركة بعقد جلسة ولو «متخصصة» لمجلس الوزراء لإقرار مشروع الموازنة العامة الذي يكتسب اهمية خاصة تتعلق بمسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
وبمعزل عن استمرار إشكالية انعقاد مجلس الوزراء وعن تفاوت الاجتهاد بين بعبدا وعين التينة في مقاربة جدول أعمال مجلس النواب، يبدو أنّ فتح الدورة الاستثنائية يحقق في حدّ ذاته مكاسب، ولو بنسب متفاوتة، للجهات المعنية بها، إذ انّ عون الذي بقي من ولايته نحو 10 أشهر فقط، يأمل في ان «يربح» إنجازات تُسجّل لعهده عبر إقرار قوانين اصلاحية في مجلس النواب، مثل «الكابيتال كونترول» واستعادة الأموال المحولة الى الخارج وغيرهما، وبري يربح تفعيل دور المجلس وتثبيت حصانة خليل وزعيتر حتى موعد العقد العادي، اما ميقاتي فيكسب فرصة ولو رخوة، لمحاولة
الدفع في اتجاه إعادة لمّ شمل مجلس الوزراء، إضافة إلى القوانين التي تحتاج اليها حكومته في سياق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
ولكن، ما قصة قبول عون بالدورة الاستثنائية، فيما كان بري يجمع التواقيع على عريضة نيابية في هذا الصدد؟
اتصل عون مساء الثلثاء الماضي بميقاتي ودعاه الى اجتماع صباحي في اليوم التالي في قصر بعبدا. وخلال «الصبحية الرئاسية» قال عون لرئيس الحكومة: «لا أحد فاتحني من قبل بمسألة فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، وليس صحيحاً انني رافض لها وفق ما ورد في بعض الإعلام، والحقيقة ان لا مانع لديّ في الدورة الاستثنائية من أجل إقرار بعض الامور الحيوية».
فوجئ ميقاتي بعرض عون الإيجابي، وأجابه والسرور بادٍ على محياه: «هذا أجمل خبر يمكن أن اسمعه اليوم، وهناك أمور عدة واقفة، ومن الضروري أن تمشي عبر العقد الاستثنائي»، وأضاف سائلاً: «هل لديك مانع فخامة الرئيس من ان نتكلم مع الرئيس بري لكي نضعه في صورة ما اتفقنا عليه؟»، فأجابه عون: «بتاتاً».
أخرج ميقاتي من جيبه هاتفه الخلوي واتصل بعين التينة، متوجّها الى بري بالقول: «صباح الخير دولة الرئيس، وكل عام وانت بخير». فردّ رئيس المجلس على التحية بمثلها وبادله المعايدة، ثم تابع ميقاتي: «لقد اتفقت مع فخامة الرئيس عون على فتح دورة استثنائية وهو «حابب يحكيك».
مرّر ميقاتي الهاتف الى عون الذي خاطب بري بالقول: «صباح الخير.. لقد تفاهمت مع دولة الرئيس ميقاتي على فتح دورة استثنائية لمجلس النواب من أجل تسهيل شؤون الحكومة وتسييرها، وانا لا مشكلة لديّ في ذلك». فردّ بري: «اشكرك فخامة الرئيس، وآمل في ان تكون هذه الخطوة بداية صفحة جديدة لأنّ الناس تشحروا».