في ظلّ المراوحة ما بين انحسار الحرب في الجنوب او توسّعها لتشمل كل لبنان، تعيش القطاعات الإنتاجية حالة الحرب، فهي وتحسباً للأسوأ تستعجل تسليم الطلبيات القديمة قبل الموعد المحدّد لها، وتتجنّب استلام طلبيات جديدة خوفاً من الاّ تتمكن من الإيفاء بالتزاماتها.
بعد طي صفحة النمو الذي حققه القطاع السياحي صيفاً، والذي استفادت منه كل القطاعات، وبعد استنزاف ايراداته المالية، دخل الاقتصاد اللبناني مرحلة قاتمة مجدداً، عوض ان يدخل موسم الأعياد الذي يُعدّ الأقوى تجارياً وسياحياً وانتاجياً خلال العام. فالأسواق في حال انكماش، والقطاع الصناعي الذي يُعوّل عليه لإدخال العملات الصعبة الى البلاد تقلّصت صادراته وانتاجه المحلي. وبما انّ كل القطاعات تدرس سيناريو الصمود خلال الحرب، كيف يستعد القطاع الصناعي لتخطّي هذه المرحلة؟ وما هي خططه للحفاظ على اسواقه الخارجية؟
رأى نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش: انّ «الترقّب أصعب من الحرب لأنّه يؤدي إلى انكماش في السوق المحلي، فالمواطن اليوم يركّز على شراء الضروريات فقط تحسباً لأي تطورات أمنية». وكشف عن تراجع الاستهلاك المحلي نحو 30% بسبب الظروف الراهنة، وقال: «هناك صنفان من الانتاج، الأول: سعره مقبول ربحه ضئيل ولا تشمله القيمة المضافة، هذا النوع من الأصناف لا يزال مطلوباً اليوم ويُباع في الاسواق. الصنف الثاني: هي السلع الأغلى سعراً، فيها قيمة مضافة، تراجعت مبيعاتها بحدود الـ 70%».
وأضاف: «صحيح انّ القطاع الصناعي لا يزال ينتج الّا أنّ بقية القطاعات متوقفة مثل السياحة والتجارة، بينما الاقتصاد السليم هو سلسلة متكاملة، أي إذا توقف عمل إحداها سيتأثر القطاع الصناعي ويتراجع عمله».
تراجع طلبيات التصدير
من جهة أخرى، كشف بكداش عن تراجع طلبيات التصدير نتيجة الاوضاع المقلقة التي نعيشها، وقال: «يسعى الصناعيون اليوم الى الإسراع في تسليم طلبياتهم والبضاعة الملتزمين بتصنيعها، الى الخارج قبل الموعد المحدّد، وذلك تجنّباً لتكرار ما حصل في حرب تموز عندما خسرنا زبائن لأننا لم نتمكن من تسليمهم طلبياتهم على الوقت، وبعد كل هذه السنوات لم نتمكن من استرجاع سوى قسم منهم»، لافتاً إلى أن ّ «غالبية التجار يرفضون التعامل مع بلد فيه مخاطر مثل لبنان». وقال: «في التجارة والصناعة يجب دائماً الحفاظ على الزبون الموجود والعمل على جلب زبائن جدد، ولا يمكن النجاح في هذه المهمّة عندما تكون البلاد معرّضة لخضات امنية بشكل دائم».
وأكّد بكداش أنّ القطاع الصناعي هو القطاع الوحيد الذي أثبت قدرته على الصمود في وجه الخضّات والصدمات السياسية، أما الخضات العسكرية الكبيرة والحروب فلا يمكن إلاّ أن نتأثر بها، لذا نسعى جاهدين للإسراع في تسليم التزاماتنا القديمة قبل شهر أو 20 يوماً من موعدها المحدّد، وذلك تحسباً لوقوع حرب، كذلك، وتفادياً لخسارة زبائن، نحاول قدر المستطاع ألاّ نأخذ طلبيات جديدة قد لا نستطيع تلبيتها لأسباب خارجة عن إرادتنا ». وتابع: «لا شك ستكون لهذا القرار تداعيات سلبية وخسائر مادية إلّا أنّها تبقى أفضل من خسارة زبون قد لا نتمكن من استرجاعه».
أضاف: «قد تُسجّل بعض الاستثناءات في قطاع الصناعات الغذائية التي يمكنها ان تعتمد على مخزونها لدى تسليم طلبيات، على عكس طلبيات «البرند» أي التي تُصنّع خصيصاً باسم زبون معين ولا يمكن ان نعرف مسبقاً ما الذي يريده الزبون تحديداً، وهؤلاء يشكّلون نحو 60 الى 70%من البضاعة المصدّرة».
لا مخزون حرب
وعمّا إذا كان القطاع أعدّ مخزوناً في حال اندلعت الحرب قال: «قبل الأزمة المالية عام 2019، عندما كانت المصارف قادرة على التمويل كنا نخزّن تحسباً لأي أزمات طارئة أو طلبات مستعجلة، أما اليوم وفي ظلّ غياب التمويل بتنا نشتري المواد الأولية وفق ما يتوفر لدينا من نقدي، وبالتالي نحن غير مستعدين كلياً للحرب، خصوصاً لناحية توفّر المواد الاولية التي نستورد 80% منها من الخارج».
ورداً على سؤال، عن قدرة الصناعة التنافسية في الاسواق الخارجية في ظل ارتفاع بوالص التأمين على مخاطر الحرب قال بكداش: «لا تزال قيمة بوالص تأمين الحرب مقبولة، لذا لا مشكلة بالتنافس من هذه الناحية، موضحاً أن ّ «مشكلتنا الحقيقية تكمن خصوصاً في ارتفاع أكلاف المحروقات نتيجة ارتفاع اسعار النفط عالمياً، لذا يتجّه غالبية الصناعيين اليوم نحو الطاقة الشمسية، إلى جانب عودة ارتفاع الايجارات لتصبح على ما كانت عليه قبل الأزمة، كذلك رواتب الموظفين، وكلفة المعيشة في لبنان التي عادت وارتفعت الى ما كانت عليه في العام 2019، مقابل استمرار هجرة الكوادر وذوي الخبرة من لبنان بحثاً عن الاستقرار».
المصدر:الجمهورية