كتب البير خوري
منذاللحظة الأولى لأعلان وثيقة التفاهم في بكين بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الأسلامية في ايران برعاية صينية حتى بدأ العد العكسي لاكتمال العملية بعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في خلال شهرين وفق شروط واضحة من شأنها في حال التقيد بها تفكيك العديد من الألغام السياسية والأمنية والأجتماعية في منطقة الشرق الأوسط.
وبالتزامن، بدأت التقارير والمواقف تتشعب في كل الأتجاهات بين مؤيد للأتفاقية بالمطلق، وبين متفائل بحذر، بانتظار ان تتوضح ترددات ” الزلزال القوي” كما وصفه مستشار أية الله خامنئي في اول تعليق له على الأتفاقية وما يمكن ان ينتج عنها من تحولات على المستويات الدوابة والأقليمية والمحلية.
دوليا، نجحت الصين،وهي الشيوعية بعقيدتها ونظامها السياسي ان تسقط صراع الأيديولوجيات في العالم لصالح الصراع الأقتصادي. اثبتت الصين ان الدبلوماسية الأقتصادية الهادئة قادرة على اختراق الحواجز العرقية والطائفية والمذهبية من خلال رعايتها اتفاق بين دولتين اسلاميتين تشكلان مصادر الطاقة الأقوى في العالم..والصين بتطورها الصناعي والتقني الهائل بأمس الحاجة الى هذه المصادر، كما وتأمين ممرات أمنة ودائمة لاستيراد النفط والغاز ومشتقاتهما بمبادرة ظبلوماسية اثبتت فعاليتها بعد حوااى سنتين من المفاوضات الهادئة بدأت في بغداد ثم عمان لتحط رحالها اخيرا في بكين.
ربما رأى البعض ان الأتفاقية تهدد الوجود السياسي العسكري والأمني الأميركي في المنطقة، لكن هذا البعض سهى عن باله ان الشعوب ملّت الحروب والنزاعات، وأن الصين لم تقدم على مبادرتها الدبلوماسية الناجحة لتقويض السيطرة الأميركية على ثلاثة ارباع منطقة الشرق الأوسط، انما بالتأكيد لما يخدم مصالحها الأقتصادية اولا وليس بالتأكيد لخوض حرب باردة مع واشنطن كما كان الحال في زمن الأتحاد السوفياتي سابقا،ولتؤكد ان نوعية النظام، رأسماليا كان ام شيوعيا ام اشتراكيا يرتبك نحاخه واستمراره بالتفوق الأقتصادي وقدرة هذا النظام او ذاك على تفعيل ادائه وقدراته لخمة ناسه ةتطلعاته.
اقليميا،بات مؤكدا لدى السعوظية التي تسعى من خلال ولي عهدها محمد بن سلمان ونهجه الانفتاحي تنفيذ برنامحه الأصلاحي ٢٠٢٠-٢٠٣٠ لم تعد السعودية نفسها التي دأبت منذ تأسيسها على تسخير قدراتها المالية وسلطتها الدينية لكسب رضى الدول المحيطة ودرء اطماعها وبالتالي لتكون كلمة الفصل في العديد من القضايا والأزمات والتخديات..ادرك ولي العهد السعودي ان حل القضية اليمنية التي شكّلت منذ حوالى ثماني سنوات وما زالت الهاجس الأكبر للمملكة، ان الحرب العسكرية التي كلّفتها عشرات مليارات الدولارات لن توصل لحلول ترضي الرياض وصنعاء، وأن لا بديل عن اعتماد الدبلوماسية الهادئة لتحقيق سلام عادل ومتكافئ بين اادولتين الجارتين، وخصوصا ان كل محاولات التقارب العربية والدولية بين المملكة والحوثيين باءت بالفشل، وأن الدعم الأيراني للحوثيين لن يتوقف ما لم يجد الطرفان حلا يقوم على مبدأ لا غالب ولا مغلوب. وبعيدا عن هذه المعادلة سوف تجد السعودية نفسها في صراع مع ايران قد يؤدي في حال استراره الى زعزعة الأستقرار السعودي، وبالتالي الى فرض الحلول الأميركية التقسيمية في الشرق الأوسط ولن تكون السعودية في منأى عنها.
في المقابل وفي المعادلة نفسها وجدت ايران نفسها تغوص في المستنقع اليمني اكثر فاكثر، فضلا عما تكابده من اختلالات وتحديات داخلية فاستدركت كما السعودية ان الحوار هو الطريق الأقصر والأقل كلفة لتحقيق السلام مع جارتها، وأن دخول بكين على الخط التي تربطها بها علاقات تحارية واسعة، لا بد وأن يعطّل اافرار الأميركي باستيلاد شرق اوسط جديد على اسس التقسيم والتفتيت.
محليا، وفي رأي عدد من المحللين خطوة يمكن ان تفضي الى تفاهمات بين فريقين لبنانيين يتنافسان على جنس الملأئكة،بينما المطروح على الساحة اللبنانية خطة واضحة المعالم والتوجهاتتنقذ البلاد من تخبطها السياسي والنقدي والامني والاقتصادي تأخذ مؤشراتها الرئيسة بانتخاب رئيس للجمهورية يرضي جميع الأطراف..رئيس لا يشكّر انتصارا لفريق على أخر، في حين يرى فريق أخر ان الأتفاق “البكيني” لن يعيد السلام والاستقرار للبنان ما لم يتفق اللبنانيون مع بعضهم البعض..وقد جاء تصريح وزير الخارجية السعودي ليؤكد ان كل حل خارجي محكوم بالفشل..وباختصار الرهان على اللبنانيين مسؤولين وشعبا وهم الأدرى بحجم المأساة واثارها التدميرية على البلاد وعلى كل المستويات والصعد.