الرياض لا تريد مرشّح مواجهة وجعجع خارج السباق
كتبت جريدة “الأخبار”:
طبع السؤال عن مصير جلسة التاسع من كانون الثاني الرئاسية آخر أيام العام الماضي ومطلع العام الجديد، وبقيَت الأجوبة عليه تراوِح بينَ الوقائع والتوقّعات والرغبات والتمنيات. وفيما لا تزال جهات داخلية تستند في تفاؤلها إلى وجود جوّ خارجي جدّي يدفع في اتجاه انتخاب رئيس ومؤشرات إلى وجود قناعة داخلية بعدم القدرة على التعطيل، إلا أن أجواء الحراك الذي لم يتوقف في الأعياد واستمر أمس، لا تؤكد أن تاريخ التاسع من الشهر الجاري سيكون موعداً لإنهاء الفراغ الرئاسي. وبناءً عليه أمكن رصد ما يلي:
في الداخل، ثمّة فريق لبناني على رأسه قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع يرغب في تأجيل الاستحقاق إلى ما بعد تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في 20 كانون الثاني. والرهان هنا هو أن ترامب العائد مع فريق عمل متشدّد سيعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لتستكمل في إيران ما بدأته في غزة ولبنان. ويعتقد جعجع بأن «الضربة الآتية» لإيران تعني سقوط حزب الله تماماً، وسيكون أمام فرصة ذهبية للوصول إلى بعبدا. ولهذا، أرسلَ جعجع موفداً إلى الرياض للسؤال عن إمكانية دعم ترشحه. أما التيار الوطني الحر، فلا يزال يعمل على هدف واحد، وهو إزاحة قائد الجيش العماد جوزف عون من قائمة المرشحين، وحرق اسم جعجع. صحيح أن تسريبات التيار حملت استعداداً لدعم ترشيح جعجع، لكن ذلك ليس بقصد انتخابه بل حرقه، مع قناعة النائب جبران باسيل بعدم قدرة قائد القوات على الحصول على الأصوات المطلوبة. فهو بالكاد يستطيع جمع 40 صوتاً، في حال صوّت التيار له. أما النواب السنّة، فلم يحسموا حتى الآن قرارهم لعدم وجود أي كلمة سرّ سعودية، بينما يلف الغموض موقف الثنائي حزب الله وحركة أمل.
خارجياً، تؤكد مصادر دبلوماسية أنه بمعزل عما يُقال في العلن أو يُسرّب مواربة، هناك ثابتة واحدة يُمكن الانطلاق منها، وهي أن المتغيّرات الداخلية والخارجية ليست واضحة، وهذا ما يجعل عواصم القرار المعنية بالملف اللبناني تقف بينَ حدّين: الأول عدم اتخاذ موقف منحاز بالكامل إلى أي اسم، ولا الذهاب في اتجاه قطيعة كاملة مع أي جهة في البلد. وفي السياق، كشفت المصادر أن الرياض وواشنطن نقلتا إلى بيروت رسائل متعددة مفادها أنه لن يكون هناك فرض لأي رئيس مواجهة، وهما تُدركان أنه مهما بلغت التحولات في المنطقة، لا يُمكن تجاهل التوازنات الداخلية، ما يعني بقاء جعجع خارج إطار المنافسة. وتعتبر المصادر أن جعجع «يدرك ذلك، لكنه يريد أن يؤكد على موقعه كصانع للرئيس. أي إنه لا يريد أن يتفاوض مع الطرف الآخر على اسم توافقي، بل أن يطرح هو الاسم ويأتي الآخرون ليتفاوضوا معه عليه».
يدرك جعجع انعدام حظوظه لكنّه يريد أن يؤكد على موقعه كصانع للرئيس
وبينما استمرت عجلة اللقاءات والاتصالات الدبلوماسية رغم ضبابية المشهد المتوقّع للجلسة، جرى تداول معلومات عن عدول وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان عن زيارة كان يعتزم القيام بها للبنان، علماً أن وزير الخارجية عبدالله بو حبيب أكّد أنه لم يتلقَّ إشعاراً بزيارة ابن فرحان، فيما كانت المعلومات منذ البداية تتحدّث عن جولة سيقوم بها مستشاره للشؤون اللبنانية يزيد بن فرحان يلتقي خلالها المسؤولين اللبنانيين للبحث في الاستحقاق الرئاسي.
وفي هذا السياق، قالت مصادر سياسية بارزة إن «المملكة تحرص حتى الآن على عدم التورط في دعم مرشح بعينه، لكنّ المؤكد أنها لا تؤيد جعجع، وهي تتقاطع مع الرأيين الفرنسي والأميركي، إذ إن الأسماء المتقدمة لديها تشمل قائد الجيش والوزير السابق جهاد أزعور ومرشح باريس المصرفي سمير عساف. وفي انتظار الوفد السعودي، بدأت اللقاءات الدبلوماسية أمس من عين التينة التي زارها وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو للبحث في الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة والمستجدات السياسية والعلاقات الثنائية. وهي زيارة تسبق زيارة مرتقبة مطلع الأسبوع المقبل للموفد الأميركي عاموس هوكشتين إلى لبنان.
كذلك عُقدت سلسلة لقاءات على هامش الأعياد بينها اتصال بين السفير السعودي وليد البخاري مع البطريركية المارونية قبل أن يسافر البخاري إلى الرياض. ونقل زوار البطريرك بشارة الراعي أنه يدعم بقوة حصول الانتخابات الخميس المقبل ويخشى من أن تأجيل الجلسة قد يفقد لبنان فرصة جدية.
وقال الزوار إن الراعي لن يقف عثرة أمام أي توافق سواء كان على قائد الجيش أو غيره، وإنه أبلغ جهات خارجية بأنه في حال كان التوجه هو انتخاب شخصية غير سياسية فهو يدعم العودة إلى مرشح التقاطع جهاد أزعور، ويدعو إلى بحث الأمر مع الرئيس بري وحزب الله. وأكّد الراعي أن البلاد تريد رئيساً يعيد الاعتبار إلى الدور المسيحي الفعّال ويكون قادراً على مدّ الجسور مع اللبنانيين والعرب والعالم.