لم تمر مباراة كرة القدم بين المغرب والبرتغال في قطر على خير في لبنان السريع العطب والشديد التأثر بما يدور خارج الحدود، حتى لو كان كناية عن.. كرة.
اذا كان فوز المنتخب المغربي قد نقله الى تصفيات نصف النهائي في كأس العالم، فهو كاد ان ينقل لبنان الى تصفيات الفتنة الطائفية حيث اللاعبون كثر والارضية جاهزة.
بين «الطريق الجديدة» و«ساحة ساسين» لُعبت مباراة من نوع آخر، جمهورها هو المذنب والضحية، وملعبها سائب بفعل غياب الدولة التي باتت بلا رئيس جمهورية وحكومة أصيلة.
ولئن كان ما حصل في الاشرفية قد أظهر انّ جمر الاحتقان الطائفي لا يزال يستعر تحت قشرة رقيقة من الرماد، فإنّ الأسوأ هو حجم الاستثمار السياسي وما رافقه من تعبئة وشحن واستنفار ودق للنفير كأننا على عتبة 1975.
صحيح ان دخول موكب الدراجات النارية على وقع هتافات دينية الى بيئة مغايرة في الانتماء والهوية حرّك بعض الحساسيات والهواجس، ولكن الصحيح أيضا ان السياسيين اصطادوا في الماء العكر وصبّوا الزيت على النار، بدل ان يتحملوا مسؤولياتهم ويساهموا في تبريد الانفعالات، خصوصا انه تبين، وفق مصادر أمنية موثوقة، ان لا خلفيات لحادثة الاشرفية وانها أُعطيت حجماً اكبر بكثير مما هي عليه.
وتروي المصادر الأمنية انه «وبعد فوز المغرب في المباراة ضد البرتغال تجمّع عدد من الشبان المتحمسين والمُحتفين في محيط الملعب البلدي في الطريق الجديدة، وانطلقوا على نحو عفوي عبر موكب من الدراجات النارية في اتجاه قصقص ثم بشارة الخوري وصولاً الى الأشرفية على وقع هتافات حماسية، بعضها ديني، ومع وصولهم الى ساحة ساسين حصل تضارب وتلاسن بينهم وبين بعض الأشخاص الموجودين في المنطقة، فتدخل عناصر الجيش فوراً وعمدوا الى فض الإشكال ومنع تفاقمه، من دون أن تتم اي توقيفات، علماً انه تم أيضا إرسال دورية معززة الى المكان في إطار تعزيز التدابير الاحترازية».
وتكشف المصادر انّ الموكب الذي انطلق من الطريق الجديدة كان يضم في غالبيته لبنانيين الى جانب بعض الفلسطينيين، مؤكدة انه ليست هناك أي خلفية سياسية او امنية لتحرّك هؤلاء الشبان والفتية، «بل هم اندفعوا بشكل تلقائي لإظهار فرحتهم بالنتيجة التي حققها المنتخب المغربي فيما بدرت عن جزء منهم تصرفات متهورة، وقد تعاطى معهم الجيش على هذا الأساس ربطاً بمجريات الأمور على الأرض».
وتلفت المصادر الأمنية الى انه لو انطلق هذا السيل من الدراجات النارية نحو الاشرفية بلا سبب ظاهر، لكان يصح الارتياب ورسم علامات استفهام، «ولكن كل التقارير والوقائع تؤكد انّ التحرك لم يكن مخططا له من قبل، وان دافعه الوحيد هو فوز المغرب، في حين انه لو كانت توجد نيات جرمية او استهدافات مضمرة لَوجب ان يكون هؤلاء الأشخاص مستعدين للمواجهة ومسلّحين بالعصي او ما شابَه، الا ان المفارقة هي انهم فرّوا عندما تعرضوا للضرب، إضافة إلى انهم لم يعودوا مع آخرين للانتقام».
وتميل المصادر إلى التقدير أن ما فعلته مجموعة الصبية والشبان التي دخلت الاشرفية «هو نوع من الولدنة والسذاجة، ويجب وضعه ضمن هذا الإطار وتفادي إعطائه أبعادا لا يختزنها، خصوصا ان وضع البلد لا يتحمل اي اجتهادات وتفسيرات في غير محلها وأوانها».
وتحذّر المصادر من ظاهرة «الأمن الذاتي المبطّن» الذي يتسرب الى عدد من المناطق بأشكال متنوعة، مشيرة الى ان واقعة الاشرفية تعزز حجة أصحاب هذا المنحى الذي يجب لجمه وعدم السماح بتكريسه تحت أي عذر.