الرئيس عون أمام معضلة تنفيذ خطاب القسم وتشكيل الحكومة.. ما كان رائجاً قبل المتغيّرات في لبنان والمنطقة لن يصحّ بعدها
كتب غاصب المختار في “اللواء”:
أخيراً صار للبنان رئيس للجمهورية مقبولاً من أغلب نواب الأمة ممثلي الشعب، واتضح من حركة التهاني للرئيس والمواقف الداخلية والخارجية التي صدرت بدعم مسيرته الرئاسية، انه يتمتع بدعم داخلي وخارجي واسع وقوي، يُفترض أن يُترجم عملياً بما تقدمه الدول وفق ما يقدمه هو من إجراءات تنفيذية لتعهدات خطاب القسم، إذا سمحت ظروف التركيبة السياسية اللبنانية المبنية على النكد السياسي بإنجاح مسيرة الإنقاذ التي سيقودها الرئيس مع الحكومة الجديدة، التي تفيد الأجواء السياسية انها لن تستغرق وقتا طويلاً، وستضم معظم إن لم يكن كل الأطياف السياسية الأساسية التي تتكوّن منها التركيبة السياسية.
لا شك ان تشكيل أي حكومة في لبنان يخضع لتوازنات دقيقة سياسية وطائفية ومصلحية – شعبوية ما يعرّض تشكيلها غالباً لكثير من التأخير بسبب الشروط والمطالب التي تطرحها القوى السياسية، حول الحصص الوزارية بالعدد أولاً ثم بالحقائب ثانياً، وأخيراً بالبيان الوازري للحكومة، الذي تعتقد أوساط نيابية انه لن يكون تقليدياً كما في بيانات الحكومات السابقة أياً يكن رئيس الحكومة – ولو ان الاتجاه النيابي الأغلب يميل الى تسمية الرئيس نجيب ميقاتي – وأيّاً تكن القوى السياسية المشاركة فيها وقد باتت معروفة إجمالاً.
ومع ترقّب طرح الشروط والمطالب الوزارية، طرحت مصادر سياسية متابعة أسئلة حول مدى تسهيل القوى السياسية لولاية الرئيس عون ومدى تجاوبها معه في تنفيذ ما طرحه من تعهدات وبرنامج عمل إصلاحي على كل المستويات، لا سيما في البنود التي لم تنفذ في دستور اتفاق الطائف، ومنها اعداد قانون انتخابي خارج القيد الطائفي وتشكيل مجلس شيوخ يمثل الطوائف، والنظرة الى تنفيذ اللامركزية الإدارية الموسّعة، ومشاريع قوانين الإصلاح الإداري والمالي ومكافحة الفساد والإصلاح القضائي واستقلالية القضاء، هذا عدا عن الخلاف المرتقب حول سلة التعيينات الإدارية التي طالما عبثت فيها المحاصصة على حساب الكفاءة، كل هذا يمكن ان يحصل ما لم تكن هناك تعهدات من القوى السياسية بعدم عرقلة مسيرة الرئيس، وبخاصة من القوى السياسية التي ملأت الهواء بالدعوات الى الإصلاح ومكافحة الفساد.
ومع ان بعض الجهات النيابية أشارت بشكل واضح الى ان الخطاب لم يتضمن في الشق المتعلق بتنفيذ الدستور ما يفيد بالتوجه لإلغاء الطائفية السياسية، إلّا أن الرئيس تعهد بوضع قانون انتخابي جديد، وهو ما اعتبرته الجهات النيابية انه يمكن أن يكون مدخلاً يمهّد تدريجياً لإلغاء الطائفية السياسية ومن ثم تشكيل أو انتخاب مجلس للشيوخ يمثل كل الطوائف.
أما الأهم الآن فهو تسمية رئيس للحكومة، وقد بدأ صراع الكتل النيابية حوله، ومن ثم تشكيل الحكومة بيسر وسلاسة. ولعلّ كثرة الطامحين لترؤس الحكومة لا سيما من بين نواب المعارضة و«التغييريين» ومن بعض المستقلين، سيؤدي إذا استمر ترشيحهم الى تشتّت أصوات الكتل النيابية بين هذه الكتلة وتلك، ويحصل الرئيس المُكلّف على نسبة أصوات ليست عالية، ما يضعه وحكومته لاحقاً أمام «حفلات زجل» نيابية تحت اسم مراقبة ومحاسبة ومساءلة الحكومة، وقد يعترض العديد من الكتل النيابية على مشاريع القوانين أو المراسيم التي ستصدرها الحكومة ما قد يعرقل أو يؤخّر انجازاتها.
ومع هذا يبقى التعويل على «مَوْنة» بعض الدول الشقيقة والصديقة على هذه الكتلة أو تلك، لتسهيل تكليف شخص معيّن وتشكيل الحكومة وعدم رفع سقف المطالب والشروط ومنها الثلث المعطّل، عدا ما يمكن أن يقدمه رئيس الجمهورية والحكومة من تطمينات للقوى السياسية بتلقف اقتراحاتها الإصلاحية أو حفظ دورها في القرار السياسي وإدارة الدولة. وهنا يكمن دور دول الخليج العربي والتعويل عليها لدعم إنطلاقة الرئيس وحكومته، ولا سيما ان هذه الدول وغيرها من دول غربية، اشترطت لدعم لبنان اقتصادياً وفي إعادة إعمار ما دمّره العدوان الإسرائيلي، تنفيذ الإصلاحات البنيوية في هيكلية الدولة وبنيتها الإدارية وفي الاقتصاد والمال والقضايا الاجتماعية وغيرها، وهو أمر فرضته ظروف ومتغيّرات كثيرة في لبنان والمنطقة بعد الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان ونتائجها على كل المستويات السياسية والعسكرية والعمرانية، وبعد تسلّم سلطة جديدة في سوريا وانفتاح العرب والعالم عليها. ما يعني أن ما كان رائجاً في لبنان قبل هذه المتغيّرات لن يصحّ بعدها، وما كان مقبولاً تمريره من تسويات داخلية أضرّت لبنان ولم تنفعه، لم يعد مقبولاً ما لم تكن التسوية تهدف الى إنقاذ البلاد والعباد من أزماتهم.