يتقدم الحراك الداخلي في انجاز الاستحقاق الرئاسي، على الاهتمام الخارجي، الذي ما زال في اطار التشجيع على انتخاب رئيس للجمهورية وتحقيق الاصلاحات الاقتصادية والمالية، لان لبنان هو مسرح لمشاهدة صراع المشاريع عليه وفيه، ويرتبط المشهد اللبناني بما يجري من حوله وفي العالم، اذ لم يُفرج بعد عن الحل للازمات اللبنانية المتعددة الاسباب والابعاد، بحيث لم يقل اصحاب القرار الدولي كلمتهم في ما يريدونه من لبنان، سوى بمواصفات هي نفسها التي تنقسم عليها القوى السياسية والحزبية والكتل النيابية، فالفريق الذي يسمي نفسه سيادياً، رشح النائب ميشال معوض، والفريق الممانع سمى رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، وكلاهما من زغرتا، التي انتخب رئيسان منها، هما سليمان فرنجية جد سليمان الحفيد، ورينيه معوض والد ميشال، ولم يخلق انتخابهما مشكلة بين العائلتين السياسيتين، اللتين كانت تجمعها احيانا ساحات نضال سياسي مشترك.
ولم تدخل الدول المعنية بالشأن اللبناني، بتفاصيل العملية الانتخابية، بل ما زالت في موقع الناصح للاطراف اللبنانية، ان يستعجلوا حصول الانتخابات الرئاسية، لارتباطها بانتظام عمل المؤسسات، واخراج لبنان من ازمته المالية والاقتصادية والاجتماعية، قبل ان ينزلق نحو فوضى معيشية تنعكس على الوضع الامني، فيتفكك لبنان، كما اعلنت نائبة وزير الخارجية الاميركية للشرق الادنى بربارا ليف.
فالاطراف اللبنانية بعد ان وضعت المواصفات، دخلت بلعبة الاسماء التي ترشحها لرئاسة الجمهورية، فكان معوض مرشح الحزب التقدمي الاشتراكي (اللقاء الديموقراطي) وحزب “القوات اللبنانية” (الجمهورية القوية) وحزب الكتائب مع استقطاب نواب من التغييريين ومستقلين، لكن هؤلاء لم يجمعوا لمعوض سوى 46 صوتاً كحد اقصى، بعد 12 جلسة انتخاب، فيما ينتظر مؤيدو فرنجية تأمين 65 صوتاً له، لحضور الجلسة الثانية التي تؤمن النصاب القانوني بـ 86 نائباً.
هذا التموضع الانتخابي ما زال قائما ولم يحصل تبديل بعد، ويحاول النواب “لبننة الاستحقاق الرئاسي”، وان طرح الاسماء وهي كثيرة ومتعددة الاتجاهات، لم يدفع النواب الى الحوار والتوافق حول اسم وفق ما تكشف المعلومات من مصادر سياسية ونيابية، وكان آخرها ما اعلنه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي عن ثلاثة اسماء يرى انه يمكن التوافق عليها وهي قائد الجيش العماد جوزف عون وصلاح حنين وجهاد ازعور، وعرض هذه الاسماء على “حزب الله” والرئيس نبيه بري، لكنه لم يلق التجاوب، وكان التركيز على اسم قائد الجيش الذي لم يقدم نفسه مرشحا، لانه من يكون في هذا الموقع، يتم التداول باسمه منذ تولي اللواء فؤاد شهاب قيادة الجيش، الى ما جرى بعد اتفاق الطائف، اذ انتخب ثلاثة قادة جيش بالتتابع وهم: اميل لحود وميشال سليمان وميشال عون الذي وصل متأخرا الى الرئاسة نحو ثلاثين عاماً.
فقائد الجيش، يكون من ضمن الاسماء المتقدمة لرئاسة الجمهورية، كما حاكم مصرف لبنان احياناً، وتأتي به الظروف السياسية الداخلية، كما موازين القوى الخارجية، وهذا ما حصل مع كل من اتى من قيادة الجيش الى رئاسة الجمهورية.
وكثرة الاسماء المرشحة وخلفيات من يرشحها في الداخل اللبناني، او من تلقى دعمه من المراجع الدولية والاقليمية المؤثرة، هي ما يحكم انتخابات رئاسة الجمهورية، التي لم يحصل توافق لبناني بعد حول اسم لها، كما ان الخارج لم يعلن تأييده لاي مرشح حتى الآن، وهذا ينطبق على كل من يتم التداول باسمائهم، حيث تكشف المعلومات، ان الدول المعنية بلبنان، لم تبلّغ اي طرف لبناني باسم مرشح تدعمه، وهو ما لمسه نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب من خلال زيارته الاميركية، اذ اكد ان ليس لواشنطن اسم مرشح، بل لها رأي في الشخصية وما تحمله من مشروع قريب من توجهاتها، وهو ما يؤكده ايضا مسؤولون سعوديون بان لا مرشح لهم، بل توافق اللبنانيين على شخص ليس طرفا في الصراع، وان تأييد جنبلاط وسمير جعجع وغيرهما لقائد الجيش او شخص آخر، لا يعكس موقف المملكة التي ما زالت على موقفها، بان هذا شأن لبناني، وفق ما ينقل عن مسؤولين فيها، وهو الوضع نفسه في فرنسا التي تهتم بلبنان، لكنها لم تدخل في لعبة الاسماء، في حين ان ايران وسوريا، سلما الامر “لحزب الله” وحلفائه.