لم يخرج الدخان الأبيض من جلسة اللجان المشتركة، أول من أمس. فبعد جلسة نقاشٍ طويلة لقانون الدولار الطالبي «المعدّل»، عاد الأخير إلى خانة الدرس مجدداً مع تأليف لجنة فرعية وتكليفها بمناقشة «ملاحظات» رئيس الجمهورية، ميشال عون، التي ردّ على أساسها القانون إلى المجلس النيابي. عملياً، عاد القانون إلى مربعه الأول، بعد «نومة» شهرين في أدراج اللجان المشتركة، إلى أدراج اللجان، وإن كان المجتمعون هذه المرة قد أعطوا أنفسهم مهلة أسبوعٍ للحسم تنتهي الأربعاء المقبل. ومن المفترض أن يجتمع أعضاء اللجنة الفرعية الاثنين للبدء في تشريح ملاحظات عون. غير أن الأجواء لا توحي بأن النقاشات ستجرى بسلاسة، مع توقع تباينات في الآراء، وخصوصاً من نواب التيار الوطني الحر.
وتتلخص ملاحظات رئيس الجمهورية في اثنتين أساسيتين: أولاهما في مطلب المساواة بين الطلاب اللبنانيين في الخارج والطلاب الذين يتابعون دراساتهم في الجامعات اللبنانية، إذ إن الدستور ينصّ على «المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين». والملاحظة الثانية أن البند الجزائي الذي يقترحه المشرعون لإلزام المصارف بالتحويل لا يمكن تطبيقه على أهالي الطلاب الذين ليس لديهم حسابات مصرفية.
سببان كافيان، في الشكل، لإثارة القلق مما سيأتي. وهو قلق عبّر عنه النائب إيهاب حمادة، عرّاب قانون الدولار الطالبي في نسخته الأولى والأساسية، انطلاقاً من أن بعض الملاحظات قد تكون «غير منطقية»، وخصوصاً إذا أُخذ في الاعتبار الانهيار الحاصل من جهة و«سلبطة» المصارف من جهة أخرى. ففي ما يخص الملاحظة الأولى، يأخذ النائب حمادة على مطلب الرئيس بالمساواة بين الطلاب في الداخل والخارج نسيان الطرف الآخر من المعادلة: المصارف التي امتنعت طوال العامين الماضيين عن تحويل الأموال للطلاب، وهم الذين لا يتجاوز عددهم ثلاثة آلاف، فكيف الحال إذا ضمّ أكثر من 50 ألفاً إلى القانون نفسه؟ من هذا المنطلق، يرى حمادة أن هذه الملاحظة قد تسقط القانون، وخصوصاً أنها ستصطدم حكماً بموقف المصارف، وهو ما أعلنت عنه جمعية المصارف عقب زيارتها للرئيس عون قبل أشهر.
إلا أن النائب إبراهيم عازار يبدو أكثر تفاؤلاً في ما يتعلّق بحلّ هذه الملاحظة، مشيراً إلى أنه «بالنقاش بنقدر نعمل استثناء لهؤلاء الطلاب»، إلا أنه أكثر حذراً في ما يتعلق بالملاحظة الثانية المتعلّقة بمن لا يملكون حسابات مصرفية، معتبراً أنها «مسألة أساسية تحتاج إلى معالجة». ينطلق عازار من كونه محامياً ليشير إلى إمكانية التعامل مع الطلاب على أساس فئتين: من يملكون حسابات ومن لا يملكون. «بالنسبة الى الفئة الأولى، يمكن اللجوء إلى معاقبة المصرف وفقاً للقانون بجرم إساءة الأمانة مثلاً، أما الفئة الثانية فقد يستدعي الأمر نقاشاً قانونياً لإيجاد الآلية المناسبة، وخصوصاً أنه لا يمكن إلزام المصرف بالتحويل».
يأخذ رئيس جمعية أهالي الطلاب اللبنانيين، سامي حمية، على ما فعله الرئيس وما قد ينتهجه بعض الأعضاء في اللجنة الفرعية في القادم من الأيام أنهم «نقلوا القانون الطالبي من كونه مطلباً إنسانياً وحاجة ملحّة للطلاب إلى خانة الاستغلال السياسي».
اليوم، ثمة خياران أحلاهما مر: إما «التصديق» على القانون كما هو، أي عملياً اعتبار الملاحظات كأنها لم تكن، وإما «إسقاط» الملاحظات ضمن القانون. غير أن الثمن قد يكون باهظاً في كلتا الحالتين، بحسب المعنيين. ففي حال إسقاط الملاحظات، يحتاج عبور القانون إلى موافقة ثلثي المجلس النيابي، وفي حال الالتزام بالملاحظات، فإنه يحتاج إلى النصف زائداً 1، إلا أنه قبل كل شيء يحتاج إلى موافقة المصارف، وهذا ما يستحيل تحصيله اليوم.