كتب عمر البردان في “اللواء”:
لا تبدو فرص نجاح المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين الذي حط في إسرائيل، أمس، كبيرة في نزع فتيل الانفجار بين “حزب الله” وإسرائيل، في ظل إصرار قادة الاحتلال على سلوك الطريق العسكري، لحسم الأوضاع على الجبهة الجنوبية . ومن هذا المنطلق، وبعد تصاعد حدة المواجهات على جانبي الحدود، يجد لبنان نفسه في وضع لا يحسد عليه، في ظل إصرار العدو على إبعاد “حزب الله” إلى شمال نهر الليطاني، بالتزامن مع تحذيرات دولية متجددة لبيروت ، من أن الأوضاع بين لبنان وإسرائيل مرشحة لمزيد من التدهور، في ظل تمسك رئيس وزراء الاحتلال، بإعادة سكان الشمال إلى منازلهم قريباً، فضلا عن التأكد من أن حزب الله لن يتمكّن من تهديد الحدود الشمالية لإسرائيل كما يفعل الآن، أو كما فعلت “حماس” في 7 أكتوبر الماضي، في ظل خشية أميركية لم تعد خافية على أحد، ألا تستجيب إسرائيل لمطالب هوكشتاين، بعدم التصعيد ضد لبنان .
وإذ جدد هوكشتاين الذي لا يستبعد أن يزور بيروت بعد إسرائيل، التأكيد على جهود إدارته لإنهاء الصراع على الحدود اللبنانية، والحؤول دون مزيد من التصعيد، فإن ما رشح من معلومات نقلاً عن مصادر أميركية، بأن التهديدات الإسرائيلية بضرب لبنان جدية، طالبين نقل هذا التحذير إلى “حزب الله” . وفي هذا الإطار، وفيما يتحسب “حزب الله” لكل الاحتمالات، فإن مسؤوليه لا يخفون القول، إن إسرائيل قد تستهدف لبنان بعدوان واسع في أي وقت، لكنها لن تتجرأ، كونها تدرك تماماً ما سيواجهها من ردة فعل من جانب رجال المقاومة، بعدما استكملوا التحضيرات لأي مغامرة من جانب جيش الاحتلال الذي يعلم علم اليقين أنه لن يكون في نزهة، إذا ما أصر على مهاجمة لبنان . وهذا يعطي صورة برأي المراقبين عن مدى استعداد المقاومة، للرد على أي حماقة إسرائيلية يمكن أن يرتكبها جيش الاحتلال وقادته، في وقت لا زالت حركة الموفدين نشطة تجاه بيروت، حيث تتزايد رسائل التحذير مما تخطط له إسرائيل، إذا استمر التصعيد جنوباً. بعدما أبلغ مسؤولو “الحزب” الوسطاء الخارجيين، بأن لا عودة لسكان المستوطنات، إلا بعد وقف العدوان على غزة . وهذا يؤكد بوضوح استمرار ربط جبهة الجنوب بمصير الحرب الإسرائيلية المتواصلة على القطاع وأهله . ويخشى أن تتخذ الإدارة الأميركية موقف “حزب الله” هذا، ذريعة لدعم أي عدوان إسرائيلي على لبنان .
وإزاء استمرار إسرائيل في تجاوز قواعد الاشتباك على نحو متصاعد، بمزيد من الاعتداءات وعلى نحو غير مسبوق باتجاه العمق اللبناني، فهذا يؤشر وفق مصادر عسكرية لبنانية، إلى أن الوضع الميداني بات على درجة عالية من السخونة، ما قد يفتح الأبواب أمام تطورات غير محسوبة، على وقع ارتفاع حدة التهديدات بين جيش الاحتلال و”حزب الله” على حد سواء، توازياً مع اتساع نطاق المواجهات بين الطرفين . ما ينذر بإمكانية قيام إسرائيل بعدوان واسع على لبنان، ربما تكون بدأت التمهيد له، من خلال اتساع رقعة عدوانها على الأراضي اللبنانية، توازياً مع تضخيمها لقوة “حزب الله”، وإبراز مخاطر تهديداته لحدودها الشمالية .
وتأخذ حكومة تصريف الأعمال في الحسبان التحذيرات الغربية أكثر من أي وقت مضى. ولذلك بدأت سلسلة اتصالات عربية ودولية، وتحديداً مع الجانب الأميركي، من أجل الضغط على إسرائيل لمنعها من استهداف لبنان الذي أكد التزامه تطبيق القرار 1701 .
وفي الوقت الذي عاود سفراء المجموعة الخماسية تحركهم، من أجل إزالة العقبات من أمام انتخاب رئيس جديد للبنان، كانت لافتة زيارة سفير خادم الحرمين الشريفين الدكتور وليد بخاري إلى البطريرك بشارة الراعي في الديمان، حيث أطلعه على خطة تحرك “الخماسية” بعد اجتماعها في قصر الصنوبر، السبت الماضي . ومن المنتظر أن تكون لسفرائها سلسلة لقاءات مع عدد من الشخصيات السياسية والحزبية . وفي حين تنتظر بيروت زيارة مرتقبة للمبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان آخر الشهر، فإن المعطيات المتوافرة لا تحمل على التفاؤل بإمكانية تحقيق تقدم جدي على هذا الصعيد . وقد كشفت مصادر وثيقة الصلة بأعضاء المجموعة، أنه طالما بقي “الثنائي الشيعي” متمسكاً بترشيح سليمان فرنجية، فإن هناك صعوبات تحول دون إنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده، بعدما تبين للسفراء، من خلال الاتصالات والمشاورات التي قاموا بها في الأشهر الماضية، أنه لن ينتخب إلا رئيس توافقي للبنان . وبالتالي فإن بقاء فرنجية مرشحاً، يشكل عقبة أمام إنجاز الانتخابات الرئاسية . وعلى هذا الأساس، من المتوقع أن يكون الخيار الثالث محور الحراك المتجدد ل”الخماسية”، انطلاقاً من التأكيد، على أنه من حق أي طرف أن يدعم من يشاء للرئاسة الأولى، لكن ليس من حقه أن يحاول فرض مرشحه على اللبنانيين، أو يستخدم أسلوب التعطيل من أجل تحقيق هذا الهدف . إذ أن وضع لبنان شديد الخطورة، ولا يتحمل بقاء موقع الرئاسة الأولى شاغراً لما يقارب السنتين، ما يحتم على جميع الأطراف، وضع مصلحة البلد قبل أي اعتبار آخر، والإسراع تالياً في تعبيد الطريق أمام تفاهم طال انتظاره، لانتخاب رئيس توافقي للجمهورية، وعلى مسافة واحدة من المكونات السياسية .
وإذ لا ترى “الخماسية” مناصاً من فصل الملف الرئاسي عن أزمات المنطقة، لكي تؤتي الجهود المبذولة ثمارها على هذا الصعيد، فإن أوساطاً دبلوماسية قريبة من المجموعة، تؤكد أن تحركها يهدف إلى تهيئة المناخات التي تساعد على إيجاد توافق حول شخصية الرئيس العتيد، انطلاقاً من المواصفات التي سبق وتم وضعها، على أساس أن المرشح التوافقي بات الأكثر ترجيحاً، وهذا ما باتت جميع الأطراف اللبنانية على قناعة به”، مشددة، على أن “استمرار ربط الملف الرئاسي بتطورات المنطقة، أمر لا يفيد اللبنانيين ولا بد من اقتناص الفرصة، من أجل التوافق على إجراء الانتخابات في وقت قريب، وتالياً طي صفحة الشغور الرئاسي الذي بات يشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل اللبنانيين . وفي هذا الشأن، تعتبر المعارضة أن الكرة في ملعب “الثنائي”، بعدما أبدت الأخيرة استعدادها للقبول بشخصية وسطية، لكن تصلب الفريق الأخير في موقفه وإصراره على عدم التنازل عن فرنجية، أصاب المعنيين بالملف الرئاسي بخيبة أمل . الأمر الذي رسم علامات استفهام كبيرة، حول جدية هذا “الثنائي” في سعيه لانتخاب رئيس للبلد . فهل يعيد المعرقلون قراءة موقفهم، ويبادروا إلى اتخاذ القرار الوطني الذي طال انتظاره، أم تبقى المصالح الضيقة والحزبية أهم من مصلحة لبنان وشعبه؟ .