النهار-زياد شبيب
“أما تعلَمون أنّ قليلًا من الخميرِ يخمّر العجينَ كُلّه؟”
ليس غريبًا أنه كلّما اشتدّ ظلام هذه الأيام على #لبنان وازداد عمق الانهيار وتبدّدت عناصر ثقة اللبنانيين بإمكان #النهوض، برزت هنا أو هناك علامات مضيئة تبعث على الأمل. من هذه العلامات ما يظهر من داخل القضاء نفسه، رغم كل ما أصابه من علل.
في العام 2015 صدر قانون يتعلق بـ “تحديد شروط استعادة الجنسية اللبنانية”. وقد نصّ على أنه يحق لكل شخص أن يطلب استعادة الجنسية اللبنانية “إذا كان مدرجًا اسمه هو أو اسم أحد أصوله الذكور لأبيه أو أقاربه الذكور لأبيه حتى الدرجة الثانية على سجلات الإحصاء التي أجريت بعد إعلان دولة لبنان الكبير” (أي سجلات 1921 – 1924 مقيمين ومهاجرين وسجل 1932 مهاجرين، الموجودة لدى دوائر الاحوال الشخصية في وزارة الداخلية والبلديات) والذين لم يمارسوا حقهم باختيار الجنسية اللبنانية. شرط ألا يكون المدرج اسمه على السجلات قد اختار صراحة او ضمناً تابعية إحدى الدول التي انفصلت عن السلطنة العثمانية مع مراعاة واحترام احكام الدستور.
واشترط القانون التقدم بطلب مع الوثائق والمستندات التي تثبت توفر الشرط المذكور وهي:
1 – القيود في سجلات الاحوال الشخصية القديمة.
2 – الوثائق الرسمية الصادرة عن الادارة اللبنانية كما الوثائق الرسمية الصادرة في البلد الاجنبي الذي يحمل جنسيته.
لو لم يمارس بعض المعنيين بهذا القانون حقّهم بطلب استعادة الجنسية اللبنانية ويقدّموا ما لديهم من وثائق تثبت هذا الحقّ، لبقي هذا القانون في عداد القوانين التي يقتصر مفعولها على الصدى الذي يتردد عنها لدى الرأي العام دون أن تكون لها مفاعيل كبيرة على صعيد التطبيق.
أحد الطلبات سلك مسارًا سلبيًا في البداية لأنّ اللجنة المولجة تطبيق القانون في البداية اصطدمت بواقع أنّ سجلات الأحوال الشخصية القديمة والتي يُفترض أن تتضمن قيود أقارب الشخص المطالب باستعادة الجنسية، مفقودة في المنطقة، ورفضت الطلب. ولكن محكمة الاستئناف في الشمال برئاسة القاضي سامر يونس وعضوية المستشارين ريّان نصر وألين أبي خالد، أصدرت قرارًا بثّ الحياة في ذلك القانون والأمل في نفوس من يستوفون شروط استعادة جنسية آبائهم.
علّلت المحكمة قرارها بأنّ “غاية القانون، وفق نصه وروحه المتجسّدة في أسبابه الموجبة، تتمثل في تمكين المتحدّرين من استعادة جنسيتهم اللبنانية، بعد استيفائهم شروطها، وعدم حرمانهم إياها، في المقابل، عبر تحميلهم عبء أو ثمن أو عقوبة فقدان الدولة اللبنانية المستندات والسجلات الواقع على كاهلها، هي وحدها، موجب حمايتها وصونها والحفاظ عليها،…”
وربطت المحكمة بين بنود النص القانوني إعمالاً لقاعدة تفسير النصوص تفسيراً منتجاً يقوم على “الترابط والتناسق والتكامل في ما بينها، حتّى يحقق القانون غايته المنسجمة مع روحيته، فلا يتمّ حجب استعادة الجنسية اللبنانية عمّن استوفي شروطها وأبرز أدلّتها، في حين أن المفقود من مستندات أو سجلات رسمية، في هذه القضية، إنما هو على عاتق الدولة اللبنانية،…”
اعتمدت المحكمة المنهج الصحيح في تفسير النصوص القانونية وفي تطبيقها وهو يقوم على إعطاء هذه النصوص التفسير الذي يؤدي إلى تفعيلها لا إلى تعطيلها أي إلى تحقيق الغاية التي من أجلها أقرّها المشترع. وأثبتت أن القاضي الحقيقي المؤتمن على تطبيق القوانين هو القادر على استخراج العدالة من النصوص، أي على تحويل القانون إلى عدالة.