أخبار خاصةأخبار محليةالاخبار الرئيسية

الخطيب: المقاومة حقّقت الانتصار وأدعو القوى السياسية لأن يكونوا أول من يتعامل مع هذا الانتصار بالإسراع بترتيب البيت اللبناني

 أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي العلامة الشيخ علي الخطيب صلاة الجمعة، في مقر المجلس بعد أن ألقى خطبة الجمعة التي قال فيها: “قال تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ). تواجه الإنسان في مسيرة حياته تحديات مختلفة تُشكِّل عائقاً أمامه في بلوغ أهدافه في الحياة، فمنها ما يستطيع التغلُّب عليه فَيَعْبُر عنه ويتجاوزه ويستمر في طريقه نحو الغاية والهدف اللَّذين وضعهما نصب عينيه. ومنها ما يُشكِّل عقبةً حقيقيةً يَصْعُب تجاوزها وقد تُشكِّل له صدمةً وانكساراً بل هزيمةً نفسية من الاحساس بالفشل واليأس فتتحوّل حياته إلى جحيم يضغط على تفكيره يدفعه الى وضع حدّ لها للتخلص من هذا الكابوس الذي يلاحقه ولا يرى منه مخرجاً، انه الاحساس بالعجز القاتل؟ إذاً اللجوء إلى الانتحار كوسيلة للتخلّص من الكابوس الذي استولى على تفكيره يعود الى الشعور بانسداد أفق الحل أمامه وانه لم يعد لاستمرار الحياة من معنى لديه، وهذا معناه أن الهدف الذي وَضَعَ تحقيقه نُصب عينيه أياً كان مادياً أو معنوياً يساوي حياته”.

اضاف: “وهنا السؤال هل هناك من غاية في الحياة مهما كانت تساوي حياة الإنسان؟ في المبدأ إنّ من الطبيعي عندما يحدد أن الهدف الفلاني هو الغاية من الحياة وانه لا غاية بعدها أو يواجه مشكلة تُشكِّل ضغطاً نفسياً قاسياً عليه يَعْجَز عن تحمّلها وليس عنده الأمل في وجود من ينجده للخروج منها سينتهي عند الفشل من تحقيقها إلى هذا الاستنتاج وهو انه لم يبق لديه معنى لاستمرارها لأن ما يعطي لحياته معنى وجود غاية يسعى لتحقيقها أو وجود أمل في الخروج من المعاناة التي يعيشها فيدفعه اليأس في كلتا الحالتين إلى الانتحار”.

وتابع: “لا أشكال ان الانهزام النفسي أمام اي مشكلة والشعور باليأس هي حالة ناشئة عن الاحساس بالضعف وهي النقطة التي عالجها الدين والايمان والإسلام بشكل خاص بأن أعطى الإيمان بالله تعالى القيمة العليا، بأنّ الله تعالى هو مصدر القيم وكل شيء في الحياة إنما يأخذ قيمته بمقدار الارتباط به.  إن الله تعالى أعطى الحياة قيمة كبرى وهي نعمة منه لم يجعل لأحد حقّاً في إنهائها ووضع حدّ لها لأي سبب من الأسباب. (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا). لأن الإنسان لا يملك نفسه حتى يحق له أن يعدمها والمالك المتصرِّف هو الله تعالى وهو فقط من يملك هذا الحق. أعطى للحياة معنى أبعد من الحياة الدنيا، فالدنيا هي ممر وليست بمقر وانها دار ابتلاء وامتحان (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ) وهي دار الخلود، فالحياة لا تنتهي بانتهائها بل تبدأ بها الحياة الحقيقية “.

وأكد “انّ الهدف الأهم الذي يجب على الانسان وضعه نصب عينيه ويعمل على تحقيقه هو رضى الله تعالى، فلديه مسؤوليات وتكاليف عليه القيام بها بمقدار طاقته وقد يكون عليه أن يُقدِّم نفسه ويُضحّي بها حيث تستدعي المسؤولية ذلك كالدفاع عن نفسه حين يتعرض للاعتداء وتتعرض حياته للخطر أو ماله أو عرضه أو وطنه أو دينه وفيما عدا ذلك، كما لو تعرّض لخسارة المال ولو كانت عظيمة أو لمصلحة كما لو فقد عزيزاً أو عملاً أو تعرَّض لفشل في تحقيق نجاح في عمل أو ضاقت عليه الحياة وما شاكل ذلك من مصائب الدنيا ومشاكلها وهمومها. فإضافة إلى ما تقدَّم من اعتقاد وثقافة تُوَسِّع له من أُفق الفهم لمعنى الحياة ولا تجعلها محدودة بحدودها، فقد انتهج الإسلام ثقافة تُحوِّل الخسارة إلى ربح والمعاناة إلى جهاد وعبادة، فإذا ما أُصيب بعزيزٍ دعاه إلى الصبر وجعل من الصبر طريقا للفلاح، قال تعالى:

(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)، وقد فُسِّرت المصيبة بمصيبة الموت ربما لأنه ابرز مصاديقها واعتُبِرَ اليأس من صفات الكافرين فقال: (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).

ثم بَثَّ في نفوس المؤمنين روح الأمل فدعا إلى التوكل على الله فقال: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).  فالتوكل على الله والصبر والاحتساب لله والدعاء والتضرّع اليه والاخلاص له في العبودية والايمان به وبوعده وسائل تُحوِّل السلبيات في حياة الإنسان إلى ايجابيات تُهدّأ من روعه وتبعث فيه الحياة وتمده بالأمل والنشاط ليكون إنساناً فاعلاً في الحياة لا ينكسر عند المصيبة ولا يُحبط عند الفشل”.

واشار الى “ان المصائب والابتلاءات التي يتعرَّض لها الإنسان هي نوع من ألوان الامتحانات يَختَبِرُ الله بها إيمانه وصبره بل أيضاً هي نوع من التربية التي يُقوِّي بها إرادته وصبره وعزيمته ويكتسب فيها خبرة الحياة ليُظهِرَ فيها إبداعه ويصنعُ بها نفسه، فإنما يَظهَرُ بها ما أودع الله فيه من القابليات المضمرة ويحوِّلها إلى إبداعات فعلية يعمر بها البلاد يري الله في هذا المخلوق وهو الانسان عظيم صنعه الذي استحق أن يكون خليفته في خلقه فإنما تظهر جواهر المخلوقين في المواطن الصعبة وفي المتاعب، فعند المصائب تُبتَلى قدرة الرجال على التحمّل وعند الفشل قدرته على تجاوزه إلى النجاح، هذا في المصائب التي يراد منها التربية ومن دون أن يكون للأفراد أو المجتمعات دخل بها ولكن قد تكون بسبب منهم أي عقوبة لهم، قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير)”.

وقال: “إن الله تعالى يعاقب الامم والمجتمعات بسبب فسادهم وعصيانهم وارتكابهم المظالم وتخلِّيهم عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتمسّكهم بالدنيا لتربيتهم وتأديبهم ليرجعوا ويتوبوا ويصلحوا أمورهم وقد ورد الحديث عن أبي عبد الله (ع) قال: “من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال، ومن يعيش بالإحسان أكثر ممن يعيش بالأعمار”. فمن المصائب ما يكون من باب التربية ومنها ما يكون من باب العقوبة والانتقام والمراد بالمصيبة التي تصيبهم المصائب العامة الشاملة كالقحط والغلاء والوباء والزلازل وغير ذلك مثل تسلُّط الكفّار عليهم لتخليهم عن واجب الجهاد حباً للدنيا وكراهيةً للموت.  وهذه المصائب انما هي بسببهم هم، فالإسلام أيضاً يعطي المصيبة العقابية إذا صحَّ التعبير أيضا معنى ايجابياً ويدفع نحو التراجع عن المعصية وتصحيح السلوك والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، فقال: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ”).

ولفت الى ان “التغيير بالاتجاهين من الحسن الى السيء أو العكس رهن بيد المجتمع، وبأن الأمور ليست نهائية ومحسومة باتجاه الامر السيء وإنما الامر مرهون بيد المجتمع واذا ما أراد التغيير نحو الأحسن فالباب مفتوح أمامه ما إن يتوب ويُقلِع عن المعصية والسوء والفساد وهذه النتيجة ليست متعلّقة بالجزئيات والأفراد بل بالمجتمع ككل”.

وقال: “عن الإمام علي (ع) – في وصيته للحسنين (عليهما السلام) عند الشهادة: “لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيُوَلَّى عليكم شراركم ثم تُدعون فلا يُستجاب لكم”.  كشاهد هنا على أن المقصود هو تخلف الأمة عن القيام بمسؤولياتها ولكن الفرق ان عودة الافراد أسرع في نتائج التصحيح من عودة الأمة والجماعة، فإن التغيير في الجماعة والتصحيح يحتاج إلى فترة أطول من الوقت كما أن الثمن يكون أكبر، قد تدفع ثمنه أجيال متعددة حتى تستعيد عافيتها ومسيرتها الرسالية”.

ورأى “ان ما عاشته امتنا من تَخَلُّف وفتن على مدى قرون هو تعبير عملي عن الخسارة على مدى أجيال لدورها الريادي بين الامم حتى أصبحت لا يُحسب لها حساب وتتجرأ عليها عصابات إجرامية إرهابية لم يكن لها أن تقوم بما تقوم به من احتلال لفلسطين والاراضي العربية المحتلة في الجولان وأن يُشرَّد ويُذْبَح الشعب الفلسطيني اليوم في غزه تحت أنظار العرب والمسلمين لولا هذا الضعف الذي يُعبِّر عنه السكوت العربي والاسلامي مما يشجّع هذا العدو على المضي في أعماله الاجرامية والارهابية في ارتكاب القتل والمجازر التي طالت الاطفال والنساء إضافةً الى هذا الحصار المطبق على اهالي غزة لكل اسباب الحياة مما جعل عملية النهوض للأمة التي تُشكِّلها قوى المقاومة اليوم وهي تخوض مرحلة من مراحل التحرير لفلسطين ابهظ ثمناً وأكثر كلفةً وأشدّ ألماً يدفعها أبناؤنا وأهلنا في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان واليمن وقد دفعتها سوريا سلفاً وما زالت. ومع كل ذلك فإن المقاومة اليوم في فلسطين والمنطقة تُشكِّل بداية التغيير والنهوض للأمة من كبوتها وهي تستأهل هذا الثمن الكبير الذي كان على الامة جميعاً دفعه لا المقاومة وأهلها وحدهم”.

وختم: “إنّ المقاومة حقّقت الانتصار وما تقوم به اليوم ليس إلا تثبيتاً لهذا الانتصار بإلجاء العدو لإعلان هزيمته عن يد وهو صاغر بعد أن ثبَّتَه أهل غزة بصبرهم وتضحياتهم وتمسِّكهم رغم الألم بالمقاومة. أنتم اليوم تُحيون أمتكم وتحررونها من الشعور بالضعف والخوف ولستم تحررون فلسطين فقط، وأدعو القوى السياسية اللبنانية أن يكونوا أول من يتعامل مع هذا الانتصار بالإسراع بترتيب البيت اللبناني وعدم انتظار ما ستسفر عنه هذه الحرب، فقد قُضِيَ الأمر وكُتِبَ النصر لفلسطين وشعبها والهزيمة لعصابات الهاغاناه وشتيرن”.

زر الذهاب إلى الأعلى