كتب انطوان الأسمر في “اللواء”:
تأثّرت الاتصالات السياسية بدخول البلاد في فلك عيديّ الميلاد ورأس السنة، فشهدت تباطؤًا ملحوظاً من غير أن تتوقّف بالكامل. ذلك أن جلسة ٩ كانون الثاني صارت على الأبواب وتتطلّب مزيداً من المواكبة وتفعيل المشاورات، باعتبار أن غياب التوافق، كما هو حاصل راهناً، يعني أن جلسة الانتخاب ستُعقد من دون أن تخرج بالنتيجة المرجوة. لذلك يبقى احتمال إرجائها في اللحظات الأخيرة أمرا واردا تفاديا لأي مفاجآت غير محسوبة.
يرتكز الجهد راهنا على إيجاد المرشح القادر على تأمين القدر الأكبر من الأصوات من ضمن مشهد توافقي لا تحدّي فيه. هذا يعني أن رئيس الـ65 صوتا غير وارد لدى أكثر من جهة نيابية فاعلة ومؤثّرة. وثمة جهد موازٍ يُبذل لتدارك الفشل في العثور على المرشح التوافقي، يقضي بالاتفاق على لائحة مختصرة من إسمين يحملان بذورا توافقية، يستطيع الفائز من بينهما أن يحكم بتأييد الغالبية المطلقة من النواب. ويدرك الباحثون عن التوافق أنه كلّما زاد عدد المرشحين كلّما تفرّقت الأصوات بما يجعل جلسة ٩ كانون الثاني على صورة هذا الانقسام، الأمر الذي لن يخدم الغاية منها.
أبقى الثنائي الشيعي نفسه خلف ترشيح رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية، في مؤشر إلى موقفه السلبي، حتى الآن، من المرشح قائد الجيش العماد جوزاف عون. هو بهذا التموضع غير مضطرّ إلى مواجهة مباشرة معه، وربما يبعث برسالة إلى داعمي ترشيح عون، في الخارج بالطبع، جوهرها أن رئاسته دونها حوار في الكثير من القضايا، من إعادة الإعمار إلى التوقيع الثالث في وزارة المال، وما بينهما من ثلث معطّل وتوزيع الوزارات والبيان الوزاري وملفات الحكم والإدارة. ويعني عدم التجاوب أن ترشيحيّ فرنجية وعون يلغي أحدهما الآخر، كما حصل حين وقعت المواجهة النيابية بين فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور، ليتم في ضوء ذلك الانتقال إلى المرشح التوافقي المفقود حتى الآن.
يُشار في هذا السياق إلى عودة الحديث عن إمكان التوافق على أزعور رئيسا كأحد المخارج الآيلة إلى تثمير جلسة 9 كانون الثاني وتفادي مزيد من الفراغ، كما تجنّب مفاجآت أكثر قساوة مع رئاسة دونالد ترامب التي تبدأ في 20 كانون الثاني.
ولا يُخفى في هذا الإطار تطوّر حدث لدى الجهات الخارجية الداعمة لترشيح قائد الجيش وتمثّل في الاستعاضة عن معادلة «عون أو لا أحد» بأخرى مفادها أن عون متقدّم لكنه لم يعد الخيار الوحيد.
ويُنقل عن مسؤول معني مباشرة بالملف الرئاسي أن التوافق هو الطريق الوحيد لانتخاب الرئيس، مما يفترض استكشاف كل الخيارات المقبولة لا التركيز على اسم واحد. ويشدد على وجوب الخروج من الخيار الواحد إلى لائحة رئاسية مختصرة تتنوّع فيها الخيارات، وهو السبيل الأفضل لاجتماع الكتل النيابية على مساحة مشتركة. ويلفت إلى أن عودة الخطر الإسرائيلي جنوبا مع الخروق المستمرة لاتفاق وقف إطلاق النار والتلويح بإبقاء الجيش الإسرائيلي احتلاله لقرى الشريط الحدودي وعدم التزام مهلة الـ 60 يوما التي تنتهي في 27 كانون الثاني المقبل، معطوفا على التهديد المتسارع باستئناف الحرب، كلّها عوامل تستدعي ترتيبا سريعا للأوراق الرئاسية واختصار الخلافات للوقوع على الرئيس التوافقي القادر على الحكم بمعية مؤيديه من الكتل النيابية، وبالشراكة مع رئيس حكومة غير تقليدي يحظى بالاحتضان العربي اللازم ومتحصّن بخلفية سياسية ومالية نظيفة.
وتُتوقَّع في هذا السياق عودة سعوديةٌ إلى بيروت من باب البحث في هوية رئيس الحكومة المقبل على وقع التغيير الذي حصل بانتقال المسؤولية عن الملف اللبناني إلى وزارة الخارجية، بما يعني أنه أضحى شأنا سياسيا أكثر منه أمني.
صحيح أن الرياض لن تسمّي رئيس الحكومة، ولا تجد نفسها مضطرة إلى ذلك لأنه أمر لبناني بحت، لكنها أيضا تعتبر نفسها معنية بهوية من سيكلف بهذه المهمة وبماضيه وقدراته القيادية. لذا هي بمجرّد أن وضعت الصفات الواجب ان يتحلى بها شاغل موقع رئاسة الحكومة، في مقدمها النزاهة السياسية والمالية، تكون قد حدّدت تلقائيا مع من هي قادرة على التعاون، ومع من لا ترغب أو لا تريد العمل معه. ويبقى على الكتل النيابية اختيار رئيس الحكومة وفقا لرغبة القوى السياسية المؤثّرة في استمالة الرياض لمساعدة لبنان أو الاستمرار في السياسة المتّبعة راهنا وهي الأقرب إلى التجاهل وعدم الإكتراث بمدّ يد العون.
تأسيساً على هذه القراءة، يصبح مفهوماً لماذا خرج و/أو أٌخرج نجيب ميقاتي وتمام سلام ونواف سلام، كلّ لظرف وسبب.