الحكومة بين الشيعي الخامس وما تريده واشنطن
كتبت ندى اندراوس في “المدن”:
لليوم الثاني على التوالي فشلت محاولات تأليف حكومة الرئيس نواف سلام. والسبب الوزير الشيعي الخامس. في إعادة لتفاصيل ساعات عصر أول من أمس الأربعاء، وصولاً إلى ظهر أمس الخميس، كانت مؤشرات إعلان التأليف تتقدم بالتوازي مع مؤشرات استمرار العرقلة.
عقدة الشيعي الخامس
عادت العقدة الشيعية لتتقدم على ما عداها من العقد. مصادر مطلعة على اتصالات التأليف والمتابعة للموقف الاميركي وللأوضاع اللبنانية السياسية المواكبة لزيارة خليفة آموس هوكشتاين إلى لبنان مورغان أورتيغاس، تروي أنه في وقت كانت الاتصالات قد كثفت ابتداء من مساء الثلثاء، واستمرت طيلة ساعات نهار الأربعاء إلى حين وصول الرئيس المكلف نواف سلام إلى بعبدا عند السادسة عصرا، بعدما كان أرجأ موعده مرتين، مرة أولى إلى الخامسة ومن ثم إلى السادسة، وحيث كان يفترض أن يعلن سلام بعد لقاء الأربعاء تصاعد الدخان الأبيض وولادة الحكومة، وردت اتصالات قيل إنها من الجانب الاميركي، نقلت رسالة مفادها، أن الولايات المتحدة لا ترى مفيداً للبنان في المرحلة المقبلة أن يكون لحزب الله دورٌ أو يدٌ في تسمية أي من الوزراء الشيعة، أو أن يشارك في الحكومة، وألا يكون لحزب الله تمثيل حزبي في الحكومة. إنما الافضل أن تكون حكومة تضم وزراء شيعة كسائر الوزراء المشاركين فيها غير ملونين حزبيا.
المصادر ربطت هذه المعلومات بما أعلنه الرئيس المكلف في كلمته الاربعاء بعد لقائه رئيس الجمهورية لاسيما عندما تحدث عن “عدم سماحه أن تحمل حكومته في داخلها إمكانية تعطيل عملها”.
غادر سلام القصر الاربعاء، ليعود إليه بعد ساعات في اليوم التالي ظهر الخميس بعد زيارة أجراها إلى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان.
كادت التشكيلة أن تعلن
في اجتماع الخميس في بعبدا الذي كان ثلاثياً بحضور رئيس مجلس النواب نبيه بري، كاد الدخان الأبيض يتصاعد من القصر الرئاسي لمجرد توجه الرئيس بري إلى هناك. زادت نسب التفاؤل باقتراب ولادة الحكومة، عندما استدعي الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية، وبدأ إعداد مراسيم التشكيل بموازاة الاجتماع الرئاسي الثلاثي.
لكن استمرار الاجتماع لقرابة الساعتين من الوقت، ومغادرة الرئيس بري بعيدا عن أنظار الاعلاميين كما دخل، ومغادرة الرئيس سلام من دون الإدلاء بأي تصريح وبعده القاضي مكية، أخرج الخلاف بين سلام وبري إلى العلن.
في معلومات “المدن”، أن النقاش في الاجتماع المطول ارتكز على الإسم الشيعي الخامس. الرئيس نواف سلام أصر على أن تتولى الحقيبة الخامسة التي خصصت للطائفة الشيعية والتي هي التنمية الادارية السيدة لميا المبيض. الرئيس نبيه بري، باسم الثنائي رفض رفضاً قاطعاً المبيض واقترح القاضي في ديوان المحاسبة عبد الرضا ناصر من ضمن أسماء أخرى.
جوبه موقف بري برفض سلام. حاول الرئيس جوزاف عون التوفيق بين الرئيسين لاسيما وأنه يصر منذ الأربعاء على الاسراع بولادة الحكومة، لكنه لم يوفق.
بعدما طال الاجتماع، ورفض الرئيس المكلف طلب بري أن يقترح سلام أسماء أخرى غير المبيض، وعندما احتدم النقاش بينهما، لوح بري بعدم منح الثقة للحكومة في مجلس النواب.
ولأن نقاش الساعتين لم يؤد إلى نتيجة، قال بري “طال وقت النقاش”، ومتوجها إلى سلام: “شكل حكومة المبيض”، وغادر تاركاً خلفه الأمور معلقة إلى حين حسم عقدة الإسم الشيعي الخامس.
صحيح أنه كان يفترض أن يتفق الرؤساء الثلاثة في اجتماع ما قبل اصدار مراسيم التشكيل. لكن منذ البداية، كان الثنائي أمل حزب الله يرفض الإسم الذي طرحه الرئيس سلام وهي السيدة لميا مبيض.
مصادر مطلعة على أجواء مشاورات التأليف أوضحت لـ”المدن” أن الرئيس المكلف استبق احتمال التصادم مع الرئيس بري بالرسالة التي وجهها في كلمته الاربعاء “بعدم السماح لاي فريق تعطيل عمل الحكومة”. ولكي يفسح المجال أمام تفاهمات لا تشذ عن المعايير التي حددها، وألا تواجه حكومته بممارسات كانت تعطل حكومات سابقة كالثلث المعطل، الأمر غير المتوفر في الصيغة الحالية، أو من خلال التلويح بضرب الميثاقية، والذي يمكن أن يلجأ إليه الثنائي في كل مرة لا يعجبه أمراً في مجلس الوزراء، أو يكون الوزير الخامس الوزير الملك يستغله الثنائي لتعطيل الحكومة.
على الرغم من الانتقادات التي توجه إليه والحملات التي رد عليها من على منبر بعبدا الاربعاء، وعلى الرغم من عقدة وزير واحد تعرقل ولادة حكومة من 24 وزيراً، فان الرئيس سلام ماض في التأليف وقد حرص عبر مكتبه الاعلامي على تظهير هذا الموقف. ما يعني أن الأمور ليست مقفلة نهائيا.
اذ أفادت مصادر أن “حتى الرئيس بري يدرك ضرورة أن يلعب الثنائي في مكان ما دوراً مسهلا، لأن من مصلحته قبل الآخرين أن تكون هناك حكومة أمامها استحقاقات جمة في مقدمها إعادة الإعمار، وهذه أولوية أولويات الثنائي. لكن ما هو المخرج المحتمل لاعادة التقريب بين الرجلين؟”
الرئيس الحكم
صحيح أن هناك عرفاً تحول على مر السنين إلى قاعدة يطبقها الشيعة حصراً عند تشكيل الحكومات، بأن يخرج الرئيس بري أسماء الوزراء الشيعة من جيبه ويسلمها إلى رئيس الجمهورية والرئيس المكلف قبل اصدار مراسيم التأليف بدقائق في بعبدا، ولكن في بداية عهد الرئيس جوزاف عون، الذي انتخب برعاية عربية وتحديدا سعودية، ودولية وتحديدا أميركية، ورئيس مكلف جاء ضمن السياق نفسه، وفي مرحلة جديدة تنتقل إليها المنطقة ومعها لبنان، يدرك الثنائي ولاسيما الرئيس بري أن المتغيرات تغلب الحسابات والكيديات الداخلية. لذا تؤكد أوساط مطلعة أن تعثر الحكومة وحجم التباين بين بري وسلام، مهما بلغا، لن ينتهيا إلا بتسهيل الولادة وباخراج حل يترك فيه الحسم والحكم لرئيس الجمهورية لحل عقدة الشيعي الخامس على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.
اذ للمرة الثانية منذ أسبوع تنقل معلومات منسوبة لمسؤولين أميركيين عبر رويترز عن رفض مشاركة حزب الله في الحكومة. وقبل لقاءاتها في زيارتها الأولى إلى لبنان، نقلت رويترز عن مصادر مماثلة أن مورغان أورتيغاز، نائبة المبعوث الخاص للشرق الاوسط ستنقل إلى الرئيس عون والرئيس سلام، وحتى للرئيس بري رسالة شديدة اللهجة مفادها أن واشنطن لا تختار أعضاء الحكومة اللبنانية لكنها في الوقت ذاته تؤكد على ضرورة عدم مشاركة حزب الله فيها. “فحزب الله هزم في الحرب، ويجب أن تكون الحكومة ملائمة لهذا الواقع”.