كتب انطوان الأسمر في “اللواء”:
الى الآن، الجلسة الانتخابية قائمة. يسير المجلس النيابي بخطى ثابتة إلى ٩ كانون الثاني، لكن من دون يقين بإنتخاب رئيس الجمهورية. ولا يخفى الانقسام الحاصل ويكاد يكون عميقا في الخيارات، وهو ما لن يسهّل مهمة الانتخاب.
صار معروفاً أن الأسماء الأكثر تداولا هي تلك الواردة في اللائحة الفرنسية الموافَق عليها أميركيا، وتضم كُلًّا من الوزيرين السابقين زياد بارود وناصيف حتي ورجل الأعمال والمال سمير عساف وقائد الجيش العماد جوزاف عون. لكن هذه اللائحة ليست مقفلة. إذ ثمة انفتاح، فرنسي تحديدا، على توسيع دائرة الخيارات الرئاسية أمام النواب، على أن تبقى تحت سقف المواصفات المتفق عليها بين مجموعة الدول الخمسة الداعمة للبنان، كأن لا يكون الرئيس فئويا أو مرشح تحدٍّ يزيد الانقسام بدل معالجته، وأن يتّسم بالنزاهة والشفافية والابتعاد عن كل فساد مالي وسياسي. ويتركز الجهد راهنا على اختصار الأسماء قدر الإمكان توصلا إلى إنتاج مظلة توافقية لانتخاب الرئيس، إن أمكن ذلك ومتى أمكن.
أميركياً، عدَل الموفد الرئاسي مسعد بولس عن موقفه الداعي إلى إرجاء الانتخاب شهرين. ورُبط الإرجاء برغبة إدارة الرئيس دونالد ترامب في أن يكون انتخاب الرئيس وبداية علاج الأزمة اللبنانية أحد إنجازاتها المبكرة على مستوى السياسة الخارجية. لكن على ما يبدو كانت الدعوة إلى التأجيل اجتهادا شخصيا لبولس الذي تقصّد توضيح موقفه مع كل من يتواصل معه من مسؤولين ورؤساء أحزاب.
ويُلحظ في هذا السياق تقاطع عفوي بين الثنائي الشيعي وكل من باريس وواشنطن على تسريع انتخاب الرئيس، كل من مصلحته ووجهة نظره:
أ- تعتقد باريس وواشنطن أن الضرر الكبير الذي لحق بحزب لله وأصابه بالوهن والإرباك، يشكل المساحة الفضلى من أجل فرض شروط سياسية عليه على غرار المكاسب التي تحققت على حسابه في اتفاق وقف إطلاق النار. وتاليا، يصبح حكماً الفوز برئيس محسوب على الغرب وفي الوقت نفسه غريبا عن الحزب، صنوا لهذه المعادلة. وتأتي في هذا السياق القائمة الرئاسية رباعية الأسماء التي سيكون الرئيس واحدا من بين أعضائها، وفق الفهم الأميركي- الفرنسي المشترك.
ب- يدرك الثنائي الشيعي أن الفرص تضيق، وأن الاستنزاف السياسي ليس في مصلحته تماما كما حال الاستنزاف العسكري. وتاليا المكسب الممكن تحصيله اليوم قد لا يكون متاحا غدا. لذا يقتضي المنطق الحد من الخسائر واستجماع ما بقي من أوراق قوة من أجل أن يكون الثنائي شريكا في اختيار الرئيس، واستطراداً لاعبا أساسيا في أي حوار دولي يتناول يحدّد مستقبل لبنان من ضمن الترتيبات الإقليمية والسورية الجاري العمل عليها.
وحده إعلان رئيس حرب القوات اللبنانية سمير جعجع ترشيحه جدياً يخلط مجمل هذه الأوراق ويغيّر في التوازن. ولا ريب أن حصول هذا الأمر من خارج السياق التوافقي الفرنسي- الأميركي سيغيّر التوقعات، وقد يكون عاملا من عوامل فشل جلسة ٩ كانون الثاني. والواضح أن جعجع غير مقتنع بجدوى تلك الجلسة، وقد يُقدم على مقاطعتها بحجة إبطال اي توافق قد يحصل بين الثنائي والتيار الوطني الحرّ لانتخاب رئيس مناوئ له، هو في الحقيقة الرئيس الذي لن يكون ملك يده.
بالتوازي، يستمر البحث المكتوم عن هوية رئيس الحكومة المقبل، وهو مفتاح أي حكم وسلطة، وهو الأساس في الورشة الإصلاحية والإعمارية المنتظرة. ويُعتقد على نطاق واسع أن ما كان جائزا من أسماء مرشحين قبل سقوط نظام الرئيس بشار الاسد لم يعد كذلك بعده، الأمر الذي يُنتج تلقائيا استبعادا كليا لعدد غير قليل من الأسماء لمصلحة أخرى سبق أن طُرحت كالسفير نواف سلام أو لم تطرح إلا لماماً كصالح النصولي.
ويواكب السفراء الخمسة هذه التطورات، ويبدي عدد منهم تفاؤلا بانتخاب الرئيس، لكن من دون الذهاب إلى حدّ التوكيد على غرار ما يفعل رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يكرر أن الانتخاب حاصل في ٩ كانون الثاني تحت مرأى ومسمع الضيوف الأجانب الذي دعاهم إلى حضور الجلسة.