كتبت صفاء درويش في “الجمهورية”:
شيئًا فشيئًا تتحوّل فرضيّة توسعة الحرب إلى أمرٍ واقع. سقطت قواعد الاشتباك بعد ضرب الضاحية الجنوبية، وستتابع سقوطًا بعد ردّ حزب الله المحتّم.
سياسيًا، وبعيدًا عن المفاوضات مع الخارج، تارةً عبر الوسطاء وطورًا عبر الرسائل العلنيّة والإعلامية، تتّجه الأنظار دائمًا نحو الداخل. داخل يتخوّف من اشتعاله الجميع في لحظات معيّنة، لاستغلال الحرب وتغيير قواعد اللعبة في الداخل، والتي لا يمكن تغييرها سوى في أوقات استثنائيّة كما يحصل اليوم.
مصدر قياديّ في فريق الثامن من آذار يجزم أنّ هذا الطرح لطالما كان مطروحًا في السابق، وتحديدًا في حرب تموز، حينما كان البعض في الخارج يحرّض بعض الداخل على ضرب حزب الله في خاصرته، لعلّه يتنازل داخليًا ويضعف على جبهة المواجهة مع العدو.
في تموز الـ2006 أتت ورقة التفاهم التي سبقت الحرب بخمسة أشهر كضامنة وطنيّة بعدم محاصرة المقاومة، حيث كان الخلاف بين حزب الله وفريق الرابع عشر من اذار مستفحلًا، وبالتالي كانت لتُحاصر المقاومة في الموقف والداخل لولا وجود التيار الوطني الحر وما يمثّل في حينها.
يقرأ المصدر بهدوء هذه المرة وضعيّة الداخل أثناء خوض المقاومة لفصل جديد من الحرب مع العدو. فهذه المرّة المشهد شبه مختلف.
على الصعيد السنّيّ، ورغم غياب القرار، يبدو أنّ الشارع السنّيّ عاد لتقبّل حزب الله، ولو بوجهه المقاوم فقط، فلم يستطع بعض التحريض دسّ فتنة طائفية بين الجهتين، لا سيمّا بعد سنوات من مراكمة “تطييب الخواطر” بين حزب الله وحركة أمل من جهة، والرئيس سعد الحريري وتّيار المستقبل من جهة ثانية. أمين عام تيّار المستقبل أحمد الحريري لعب دورًا واضحًا في هذا الهدوء السنّيّ الشيعيّ الحاصل اليوم. فزيارته ومشاركته تقبّل العزاء في وفاة والدة السيّد نصرالله ترك انطباعًا عاطفيًا كبيرًا لدى قيادة وجمهور الحزب، لتعود وتأتي تغريدته قبل أيّام عن شهداء الضاحية والعدوان الإسرائيليّ كخطوة مكمّلة.
على الصعيد الدرزي، يمكن لحزب الله الحديث بأريحية أنّ شبه إجماع كبير من كلّ الطائفة الدرزيّة خلف المقاومة في معركتها مع العدو، لا سيما بعد سلسلة المواقف المبدئيّة لزعيم المختارة وليد حنبلاط، وبالطبع إلى جانبه الأمير طلال ارسلان حليف المقاومة الثابت دائمًا.
العقدة المسيحيّة كانت هي ما يتخوّف منه الحزب، إلّا أنّ المصدر يرى اليوم أنّ المواقف العلنية الثابتة لرئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، ورغم تمايزه برفضه فكرة وحدة الساحات، إلّا أنّها تشكّل ضمانة وطنيّة بعدم جعل الاصطفاف في الحرب مسلم-مسيحي، وأنّ مبدئيته هذه تنال احترام قيادة الحزب وحلفائها، بعيدًا عن موقف جمهوره الذي لم يشيطن المقاومة بمعركتها مع إسرائيل، إنّما بات يعتبر أنّ أداءها في الداخل يضرّ بمصلحة المسيحيين، وهذا يتفهّمه الجميع ويعتبرون أنّ المحافظة على العلاقة مع التيار من خلال الحوار وتبديد الهواجس حاجة ستسلك المسار العملاني بعد الحرب، وهي باتت واجبة نتيجة المواقف المشرّفة للتيّار في الحرب.
“الحزب مرتاح بالداخل”، هكذا يمكن اختصار المشهد، فجبران باسيل ووليد جنبلاط وشارع تيار المستقبل يشكّلون معًا حصانةً تطمئن من يقاتل إسرائيل على الجبهات أنّ خاصرته لن تُطعن، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أنّ مشروع بناء الدولة وتبديد الهواجس لا يمكن تجاهله بعد هذه الحرب مهما طالت، لأنّ ما تجنّبه لبنان اليوم لن يتجنّبه دائمًا في ظلّ دولة هشّة ودون مؤسّسات قوية.