الحرب تزعزع النفس والجسد ولتداعياتها المديدة تاريخ بدأ بـ”صدمة القذيفة”
وفقاً لـ”منظمة الصحة العالمية”، في حالة النزاع المسلح بشكل عام، يعاني حوالى 15 إلى 17 في المئة من السكان من الاكتئاب و”اضطراب ما بعد الصدمة النفسية” Post traumatic Stress Disorder. وكذلك سلّطت بعض الكتب، ومن بينها “علم أعصاب الحرب” ( War Neurology) الضوء على الاضطرابات المتنوعة المتعلقة بالمعارك. ويتحدث عن قصص وحالات قدمها أطباء الأعصاب خلال الحروب، وتجارب الجنود الذين عانوا من الأمراض العصبية، بالإضافة إلى فصول مخصصة لدور علوم الأعصاب في الحروب الشاملة والمعاصرة.
كانت الحرب العالمية الأولى، بداية للحديث عن أعراض عصبية لم تكن قد ظهرت من قبل، فما تخلّفه الحروب يبقى من أكبر التحدّيات الصحية والاجتماعية التي يتوجب على المجتمعات التعامل معها بوعي.
حينما ظهر مصطلح “صدمة القذيفة” Shell Shcok أو “الاضطراب العصبي الناتج من الحرب”، كان الجنود الذين عادوا من الحرب يعيشون معاركهم الداخلية التي أدّت إلى ظهور أعراض عصبية مثل الدوار، الرعاش، الشلل، طنين الأذن، فقدان الذاكرة، الصداع والصمت.
وفي البداية، ساد اعتقاد بأن هذه الأعراض ناتجة من الانفجارات أو الصدمات الجسدية المباشرة. ومع مرور الوقت، تبين أنها تتعلق بصدمات نفسية، لا جسدية. هكذا تجلّى التوتر النفسي بصورة جسدية تضمنت أعراضها اضطرابات عصبية مختلفة.
وسعى الباحثون والأطباء إلى دراسة الأعراض غير المفسّرة التي تمثل تحدّياً كبيراً في المجال الطبي. وقد تبدَّت كثيراً لدى أشخاص خاضوا الحروب، فيما آخرون عانوا تداعياتها.
الصدمات النفسية الناتجة من الحروب
وفقاً لـ”منظمة الصحة العالمية”، في حالة النزاع المسلح بشكل عام، يعاني حوالى 15 إلى 17 في المئة من السكان من الاكتئاب و”اضطراب ما بعد الصدمة النفسية” Post traumatic Stress Disorder.
وكذلك سلّطت بعض الكتب، ومن بينها “علم أعصاب الحرب” ( War Neurology) الضوء على الاضطرابات المتنوعة المتعلقة بالمعارك. ويتحدث عن قصص وحالات قدّمها أطباء الأعصاب خلال الحروب، وتجارب الجنود الذين عانوا من الأمراض العصبية، بالإضافة إلى فصول مخصصة لدور علوم الأعصاب في الحروب الشاملة والمعاصرة.
وفق “المكتبة الوطنية (الأميركية) للطب” National Library of Medicine التي تُعتبر من الأضخم عالمياً، فإن “للحروب تأثيراً كارثياً على صحة ورفاهية الأمم. أظهرت الدراسات أن حالات النزاع تتسبب في معدل وفيات وعجز أكبر من أي مرض رئيسي. تدمّر الحرب المجتمعات والعائلات، وغالباً ما تعطل تطور النسيج الاجتماعي والاقتصادي للأمم”.
يتحدث الدكتور زكريا عماش اختصاصي في أمراض الدماغ والجهاز العصبي عن تأثير الحرب على الصحة النفسية للمدنيين. ويشير إلى أنه موضوع نال اهتماماً واسعاً من قِبَل عدد من المؤسسات العالمية. إذ قدّر “البنك الدولي” وجود أكثر من مليار شخص حول العالم عاشوا في مناطق نزاعات وحروب. وكذلك قدّرت “المفوضية العليا للاجئيين” التابعة للأمم المتحدة، أن هناك ما يُقارب 60 مليون مدني قد نزحوا ورُحّلوا قسراً من ديارهم إلى مناطق أخرى بسبب الحرب، منذ عام 2015.
متلازمة حرب الخليج
في سردية الحرب، يكون مجدياً أن ننطلق من قصص واقعية طبعت بتأثيراتها التاريخ العسكري والنفسي للشعوب. ويشير عماش إلى ما عُرف بـ”متلازمة حرب الخليج” Gulf War Syndrome. ويعني مصطلح “متلازمة” Syndrome إلى ظهور متناسق لمجموعة من الأعراض التي لا يكون واضحاً بالضرورة سبب الترابط بينها، أو حتى المسبب الأصل لها. ومثلاً، تتسمّ “متلازمة حرب الخليج” بأعراض تشمل الإرهاق المزمن الذي أصيب بها الجنود والعاملون العائدون من “حرب الخليج” عام 1991.
ظهرت تلك المتلازمة بأشكال مختلفة. وغالباً ما ضمّت مروحة أعراضها وعلاماتها؛ التعب، ألم العضلات والمفاصل، فقدان السيطرة على العضلات، الصداع والدوران، وفقدان التوازن، مشاكل في الذاكرة والإدراك، ومشاكل في الجهاز الهضمي كالإسهال وسوء الهضم؛ واضطرابات عصبية أخرى. ويُضاف إلى ذلك التورم في الأطراف والطفح الجلدي ومشاكل تنفسية وغيرها”.
ندوب طويلة الأمد
في سياق متصل، تقدّر منظمة الصحة العالمية أنه في حالات النزاعات المسلحة في جميع أنحاء العالم، “10 في المئة من الأشخاص الذين يمرون بأحداث صادمة سيعانون من مشاكل نفسية خطيرة، في حين سيطور 10 في المئة سلوكيات تعوق قدرتهم على العمل بفعالية. وتشمل الحالات الأكثر شيوعاً الاكتئاب، والقلق، والمشاكل النفسية- الجسدية مثل الأرق، أو آلام الظهر والمعدة”.
تأثير على الصحة
في توضيح علمي، يرى عماش أن “الحرب لها تأثير سلبي واضح على جهازنا العصبي والنفسي. وحينما يسمع الإنسان صوت طائرة حربية أو انفجاراً أو جدار صوت أو خبراً محزناً، يؤدي ذلك إلى زيادة إفراز الهرمونات المرتبطة بالتوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين. وتسهم تلك الهرمونات بشكل واضح في زيادة مستوى التوتر ، مع ارتفاع في سرعة نبضات القلب ومستوى السكر في الدم. تلعب هذه العوامل دوراً مهماً في التأثير على صحتنا اليومية”.
ويشير عماش إلى أنه “بحسب الدراسات، فإن الأشخاص الذين يعيشون في مناطق النزاعات والحروب، يصبحون أكثر انكشافاً أمام الإصابة بالسكتات الدماغية أو الجلطات القلبية. وقد يلجأون إلى استخدام أدوية الأعصاب والتدخين واحتساء الكحول في محاولة لتخفيف القلق”.
كخلاصة، من الضروري التعامل مع القلق والتوتر، خصوصاً في مرحلة ما بعد الحرب، منذ بداية ظهورها، من خلال استشارة الطبيب. إذ يسهم ذلك في التحكّم بمستويات التوتر والقلق، والوقاية من مشكلات صحية عدة على المدى البعيد.