الحرب الشاملة بين الواقع والتهويل
كتب خضر رسلان في “البناء”:
في اليوم الذي تلا بداية معركة طوفان الأقصى وتحديداً يوم الثامن من تشرين الأول من العام الفائت حرص حزب الله على ان تكون معركته هي لإسناد قطاع غزة وحدّد فيها الغايات والأهداف والذي استطاع من خلالها التحكّم في قواعد الاشتباك، وأصبح مع مرور الوقت باعتراف جنرالات العدو المُسيطر على إيقاع الحرب الذي أرادها منذ بدايتها حرب إسناد وردع متجنّباً الحديث عن حرب شاملة لا يخشاها وأعدّ واستعدّ لها إنما محددات المعركة ووضوح الرؤية لديه وقراءته الموضوعية للواقع جعلته متحكماً بما قرّره من معركة إسناد وطوّرها مع تراكم الأيام الى حماية وردع عن أيّ حماقة تطال لبنان وشعبه ومقاومته.
في المقلب الآخر السؤال الذي يطرح نفسه في إطار الحديث شبه المستمرّ الذي ينطق به قادة العدو عن حرب شاملة لا سيما منها على الجبهة الشمالية بعد ما يقارب التسعة أشهر من التجييش والقتل والمجازر التي شنّها العدو الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وبعد جولات من المواجهات البطولية لمجاهدي المقاومة سواء في فلسطين أو في جبهات المساندة والتي تكبّد فيها الصهاينة خسائر فادحة سواء في العديد او المعدات، هل يستطيع ان يشنّ حرباً شاملة؟ وما هي الأدوات التي يمتلكها في سبيل ذلك؟ وفي هذا الاطار وفي قراءة لما جرى من أحداث ومواجهات فإنّ الواقع الراهن وموازين القوى تشي بصعوبة جنوح الصهاينة الى حرب شاملة وواسعة بناء على الإشارات التالية:
1 ـ نقاط ضعف الجيش الصهيوني التي بدت واضحة بعد عجزه عن حسم معركة قطاع غزة رغم مرور تسعة أشهر من التجييش وارتكاب المجازر فضلاً عن فشله في التحكم بمسارات الجبهة الشمالية أمام حزب الله.
2 ـ الإنهاك الواضح الذي أصاب جيشه بعد تسعة أشهر من المعارك وهو المثقل أصلاً في بيئته المنقسمة على نفسها والتي زادت من وهنه وهزالته.
3 ـ عدم قدرة المستوى السياسي والأمني على اتخاذ قرار منفرد بشنّ الحرب الشاملة دون موافقة الجانب الأميركي وانْ كان غير مستبعد ولو أنّ الاحتمال ضئيل أن يبدأ نتنياهو هذه الحرب ويضع أميركا الضعيفة القلقة والمتردّدة أمام خيار المشاركة، وهي مقامرة ومجازفة كبرى ومخالفة لمحدّدات السياسة الأميركية التي أكدتها حين تصدّيها لعملية «الوعد الصادق» الإيرانية، والتي هدفت حصراً الى الدفاع عن الكيان الاسرائيلي وليس المشاركة في أيّ هجوم، فكيف إذا ما بادر نتنياهو الى الهجوم وفتح الحرب، وبالطبع فإنّ الموقف الأميركي سيكون أضعف بالتدخل مقارنة بعملية «الوعد الصادق»، وهي التي تدرك مقدرات الأطراف المناوئة لها وخطر ذلك على مصالحها الحيوية في المنطقة.
إلى ذلك كله فإنّ ما كشفته المقاومة عن بعض ما في جعبتها من إمكانيات ومقدرات سواء عبر ما جاء به «الهدهد» او عبر ما تمّ نشره «لمن يهمه الأمر» إنما هدفه وضع الكيان وداعميه وبالعين المجردة إذا ما تهوّر نحو حرب واسعة وشاملة أمام حقيقة ما سبق وأعلنه سماحة الأمين العام لحزب الله عن انّ أيّ حرب عدوانية واسعة تشنّ على لبنان ستتمّ مواجهتها دون ضوابط ودون سقوف وهو كلام صدر عن قائد المقاومة الذي تعرف استخبارات العدو وأجهزته الأمنية انه لا يطلق المواقف جزافاً وتاريخه مشهود بالدقة والمصداقية.
بناء على ما تقدّم ومع ضعف فرضية الحرب الشاملة دون استبعادها بالمطلق فإنه لا يُستبعد ان نكون أمام شهور طويلة من القتال الذي ستحرص فيه المقاومة على الموازنة بين استمرار الضغط على العدو الصهيوني إسناداً لغزة وحماية لبنان وزيادة قوته ومنعته حتى إقرار العدو بهزيمته، وهو أمر آتٍ لا محال…