كتبت ندى اندراوس في “المدن”:
حوش السيد علي هي بلدة لبنانية، اهلها لبنانيون، تقع على الحدود السورية. وهي من البلدات المتداخلة جغرافيا بين البلدين. يقع الجزء الاكبر منها في الأراضي اللبنانية وتحديداً في قضاء الهرمل في البقاع. والجزء الاصغر، صحيح أنه يأتي بشكل متداخل ضمن الحدود مع سوريا، “لكن هذا الجزء هو أرض لبنانية مئة في المئة، والخرائط والوثائق وصكوك ملكية الاهالي والمساحة تؤكد هويتها اللبنانية تاريخياً”، تؤكد مصادر خبيرة في ملف الحدود مع سوريا لـ”المدن”؛ لكن ذلك يحتاج إلى معالجة من خلال انجاز عملية ترسيم الحدود بين البلدين.
قنبلة موقوتة
إشكالية الحدود بين لبنان وسوريا قديمة. ولبنان يطالب منذ زمن بترسيم الحدود البرية والبحرية، لحسم خلافات تمتد على مساحة 370 كلم، محفوفة بالتعقيدات والتعرجات والتعديات وخطوط التهريب على أنواعه.
كان النظام السوري السابق يغض النظر عن المطلب اللبناني المزمن. أتى النظام الجديد. أعلن في بداية حكمه عن حسن نواياه تجاه لبنان وأن لا أطماع لديه فيه، وهو لن يعتدي عليه ولن يتدخل في شؤونه كما فعل نظام الاسد طوال خمسة عقود من الزمن، ما دام لبنان لن يتدخل في الشؤون السورية ولن يشكل خطرا عليها.
لكن منذ سقوط النظام السابق والتوترات الأمنية تتكرر على الحدود بين البلدين، بين مسلحي هيئة تحرير الشام وأبناء العشائر والعائلات اللبنانية، ذات الغالبية الشيعية، التي تعيش في الاراضي السورية. أعنف هذه المواجهات وقعت ليل الاحد وإستمرت حتى الاثنين، وهي بدأت في نقطة حدودية مقابل بلدة القصر في البقاع الشمالي، عندما توجه ثلاثة عناصر مسلحين من عصابات التهريب السورية قادمين باتجاه الحدود اللبنانية قبالة القصر. فوقع الاشتباك مع مجموعة تهريب لبنانية. في الاشتباك قُتل المسلحون السوريون الثلاثة داخل الحدود اللبنانية.
خلال يومين بلغت الاشتباكات ذروتها، وبنتيجتها تدخل الجيش اللبناني وأرسل تعزيزات من فوج المجوقل واللواءين التاسع والسادس وسلاح المدفعية وفوج الهندسة. انتشر على الحدود، وفرض طوقا حول المنطقة قبالة حوش السيد علي. أبقى على جهوزية قتالية عالية، ما دام مسلحو هيئة تحرير الشام يحتلون أرضا لبنانية ويرفضون الانسحاب منها.
الهيئة على أرض لبنانية
تعلن هيئة تحرير الشام أن مسلحيها يلاحقون عناصر حزب الله في المناطق الحدودية وأن عملياتهم ضد عناصر الحزب، على الرغم من نفي هذا الأخير لأي وجود أو نشاط أو عملية له في المنطقة منذ الاحد، وعلى الرغم من تقارير أمنية مؤكدة لدى الجانبين اللبناني والسوري أن الحادثة التي وقعت قبالة بلدة القصر اللبنانية كانت بين رجال عصابات تهريب من البلدين. وأن من قُتلوا هم من عناصر الهيئة، لكنهم في الوقت ذاته من الناشطين في عمليات التهريب. كما علم أن في الجانب اللبناني أفراد من السوريين ينشطون مع عصابات التهريب اللبنانية.
وكشفت مصادر أمنية لـ”المدن” أنه “على الرغم من أن خلفية الحادثة معروفة، إلّا أن هيئة تحرير الشام أصرت على حشد مسلحيها والتقدم باتجاه حوش السيد علي والتجييش إعلامياً عبر بعض المواقع والقنوات لاخذ الامور باتجاه آخر والتصويب على أمن الحدود ووجود حزب الله العسكري هناك. مع العلم أن الجيش اللبناني كان قد عزز انتشاره في تلك المنطقة تحديداً، وأقفل العديد من المعابر غير الشرعية وأقام نقاطاً ثابتة منذ سقوط نظام الأسد نظراً لتكرار الحوادث الأمنية بين عصابات التهريب من الطرفين أحيانا واعتداءات مسلحين من هيئة تحرير الشام على القرى والبلدات الحدودية والمتداخلة والتي يقطن غالبيتها لبنانيون شيعة، وهم أصحاب الارض فيها من جهة أخرى.”
المصادر لفتت أيضا إلى أن التواصل الأمني بين الجانبين كان قد نجح في إعادة التوازن في حدود معينة الى المنطقة الحدودية الى أن وقعت أحداث الاحد. وتساءلت عما اذا كان هناك خلفيات أبعد من الرد على مقتل ثلاثة مسلحين وتنظيف المنطقة من المهربين والمسلحين أو حزب الله، إلى فتح ملف الحدود البرية ومحاولة فرض ترسيم بري على لبنان بشروط الادارة السورية الجديدة.
حتمية المواجهة
حتى ساعات متقدمة من ليل الثلثاء، استمرت الاتصالات لتهدئة الميدان وللتوصل الى اتفاق على انسحاب مسلحي الهيئة من حوش السيد علي. في معلومات “المدن”، أن اتفاقا تم عصر الثلاثاء، كان يفترض أن يترجم بانسحاب المسلحين ودخول الجيش اللبناني الى الحوش وتسلم المنطقة كاملة. استعد الجيش لكن الهيئة نكثت الاتفاق. استمرت الاتصالات الى أن أفضت الى اتفاق يفترض أن يترجم اليوم الاربعاء بانسحاب المسلحين من الارض اللبنانية.
وكشفت مصادر أمنية أن الجانب السوري أبلغ الجانب اللبناني بأن هناك ترتيبات يقوم بها المسلحون “في الجزء السوري من الحوش”، من القضاء على معامل المخدرات وتدمير ومصادرة مخازن الاسلحة. لكن في الواقع أن المسلحين لم يكتفوا بالسيطرة على الجزء المتداخل مع سوريا. بل سيطروا على البلدة بكاملها. وما قالوا إنها ترتيبات تبين أنها أعمال حرق للمنازل والمؤسسات، حتى أنهم احرقوا مدرسة الحوش.
وقالت مصادر معنية بالاتصالات السياسية “إن الاتصالات التي تكثفت بين وزيري دفاع البلدين من جهة وبين وزيري خارجية البلدين من جهة اخرى، نجحت فقط في تهدئة الجبهة لكنها لم تؤدِ الى انسحاب المقاتلين من الارض اللبنانية، ولا وقف اعتداءاتهم ونهبهم وأعمالهم الانتقامية في البلدة، ولم توقف اطلاق النار على الجانب اللبناني”.
اطلاق نار وقصف رد عليه الجيش اللبناني مستهدفاً مصادره، تنفيذا لأوامر رئاسية بالرد على كل مصادر النيران. لكن الجيش الذي لا يزال يطوق المنطقة ويستنفر كل وحداته ويرى سحب الدخان المتصاعد من الحوش، ينتظر الضوء الاخضر السياسي للتحرك. وفي المعلومات، فقد أبلغ “من يعنيهم الأمر من الجانب السوري” أن الجيش اللبناني سيدخل حوش السيد علي ولن يقبل بأن تبقى ارضاً لبنانية محتلة، وهو سيدخل البلدة الاربعاء، بعدما سلم الجانب السوري جثتي الشقيقين اللبنانيين محمد وأحمد مدلج إلى الصليب الأحمر اللبناني، عند معبر جوسيه الحدودي.
منذ سقوط نظام الاسد وهزيمة حزب الله في الجنوب واستهدافه من قبل إسرائيل في البقاع وفي مناطق نفوذه على الحدود اللبنانية السورية وأيضا في الداخل السوري، ومنذ تهجير اللبنانيين الشيعة الذين يقطنون قرى وبلدات في الداخل السوري، ومع تكرار الاحداث الأمنية والاعتداءات على مناطق لبنانية ذات غالبية شيعية، يُخشى أن يجرّ الجيش اللبناني الى مواجهة هو والدولة بغنى عنها، في ظل الأمن الهش في الجنوب، وخطورة انتقال تجدد الحرب على غزة إليه مجدداً مع استمرار الاحتلال الاسرائيلي هناك والاعتداءات والخروقات لاتفاق وقف إطلاق نار.