كتب جوني منير في “الجمهورية”:
الردّ الصاروخي الإيراني على إسرائيل، والذي حمل عنوان الإنتقام لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنية والأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله ونائب رئيس غرفة العمليات في الحرس الثوري الإيراني عباس نيلفروشان، جاء هذه المرّة أكبر من الردّ السابق، وحمل تفسيرات عدة تمحورت في شكل أساسي حول احتمال من ثلاثة.
التفسير الأول جاء في إطار وجوب الردّ خصوصاً على اغتيال نصرالله نظراً للرمزية الكبيرة التي يمثلها، واحتواء غضب جناح المحافظين داخل إيران، ولاستعادة بعض الهيبة التي تعرّضت لضربات قاسية في وقت كانت إيران تنتهج أسلوب التودد تجاه واشنطن.
أما التفسير الثاني فذهب الى أبعد من ذلك لجهة إعتباره مدخلاً ملزماً، وأدّى لإحداث دويّ كبير من دون تسجيل سقوط ضحايا مدنيين وفق البرمجة التي حصلت، ما يسمح لإيران باستعادة هيبتها وبالتالي إمساكها بزمام المبادرة والذهاب لاحقاً إلى تسوية سياسية كاملة تطاول كل الساحات وفي طليعتها الساحة اللبنانية.
لكن التفسير الثالث يحمل توجّهاً مختلفاً، ويقوم على أساس أنّ الردّ يفتح الباب أمام جولة جديدة من المواجهات في لبنان والتي سيكون عنوانها المواجهة البرية، بعد الإقرار بخسارة الجولة الأولى والتي جاءت تحت عنوان المواجهات الجوية والإستخباراتية والتقنية بسبب التفوق الإسرائيلي والإستعدادات التي ظهرت في وضوح.
وتميل أوساط “حزب الله” بقوة إلى التفسير الثالث، ما يجعلها تعتبر أنّ الحرب في لبنان تبدو طويلة وصعبة.
وما يعزز هذا التوجّه التدبير الذي طاول الصلاة على جثمان السيد حسن نصرالله. ذلك أنّ قيادة “حزب الله” متمسكة بوجوب إقامة جنازة كبيرة تليق بمكانة نصرالله ورمزيته ونضاله وعلى الأراضي اللبنانية. لكن ظروف الحرب العنيفة، ونية إسرائيل لاستهداف بقية المسؤولين الكبار في الحزب ولو خلال مراسم الجنازة ومن دون الأخذ بأي اعتبارات أخلاقية، وهو ما حصل سابقاً في غزة، كل ذلك حتّم حصول مراسم تشييع سريعة أقامها أحد رجال الدين ومن ضمن الأصول الدينية والتي تعرف بـ”الوديعة”، وحيث جرى حفظ الجثمان في نعش خاص وجرى توجيهه ناحية القبلة كما تقتضي الأصول، وذلك في انتظار أن تسمح الظروف الميدانية لإقامة الجناز التأبيني الرسمي ولو اقتضى ذلك مرور وقت زمني طويل. وثمة سوابق في هذا الإطار.
كذلك لن يُقدم “حزب الله” على إجراء أي تعيينات رسمية في المواقع التي فرغت وعلى رأسها موقع الأمين العام للحزب، وذلك في انتظار جلاء صورة الحرب القائمة. وفي هذه الأثناء سيتولّى نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم مهمّة الإعلان عن المواقف السياسية للحزب، في وقت سيتولّى السيد هاشم صفي الدين مهّمة الإشراف على التركيبة العسكرية والعمليات الميدانية.
وفي هذا الوقت، جرى العمل على ملء المواقع التي فرغت نتيجة عمليات الإغتيال التي حصلت، كذلك وضعت الخطط للمواجهات الميدانية في الجنوب وعلى أساس أنّها ستطول، وليس وفق مقاس الأسابيع بل الأشهر.
لكن المسألة الأكثر إيلاماً والتي تقض مضجع قيادة “حزب الله” هي تلك المتعلقة بالوضع الإجتماعي الصعب للبيئة الحاضنة. فإسرائيل وفق برنامج هجومها كانت قد ركّزت على ثلاثة أهداف: إغتيال رأس الهرم، وهو ما عمل “حزب الله” على ترتيبه سريعاً، وإفراغ مواقع الصف الثاني وكثير من مواقع الصف الثالث، وهو ما تمّت معالجته كما أوردنا، وتوجيه ضربات قوية للبيئة الحاضنة، والتي أضحت في ظروف إجتماعية مزرية عند أبواب فصل الشتاء، وهي المعضلة التي يصعب حلها.
أما عند الجانب الإسرائيلي، فلا تبدو التقديرات مختلفة عن تلك الموجودة لدى “حزب الله” حول أنّ المواجهة ستطول لأشهر ربما، ولو وفق حسابات مختلفة. ذلك أنّ المؤشرات العسكرية الإسرائيلية توحي بالآتي:
1 ـ تقوم القوات الإسرائيلية بتنفيذ عمليات جس نبض واستكشاف للمناطق اللبنانية بهدف التحضير للعملية البرية.
2 ـ تريد الحكومة الإسرائيلية القيام بتوغل بري لهدفين، الأول السعي لتدمير البنية التحتية العسكرية لـ”حزب الله”، والثاني التمركز وطرح التفاوض لفرض شروط جديدة تتجاوز القرار 1701، وهو ما لمّحت إليه إسرائيل قبيل بدء زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى بيروت. لكن حجم الانتشار العسكري الإسرائيلي لا يكفي بعد لتغطية كل المنطقة التي تريد إسرائيل السيطرة عليها، على رغم من أنّ القوات المنتشرة طابعها هجومي لكن أعدادها غير كافية، ما يدفع للإستنتاج بأنّ موعد التحرّك البري الإسرائيلي ليس وشيكاً ولو أنّه قد يكون قريباً.
3 ـ من المرجح ألّا تكتفي إسرائيل بحصر عملياتها في الجنوب فقط، بل إنها قد تذهب إلى البقاع الشمالي والتلال الجبلية بهدف قطع طرق الإمداد والسعي لاحقاً لإغلاق المعبر البري، والذي يشكّل الإمتداد الطبيعي للطريق البري الذي يربط إيران بالجنوب عبر سوريا. وهو ما يعني أنّ مجال العمليات سيتوسع ولن يكون محصوراً بمنطقة محدّدة في الجنوب، في وقت ستعمل الطائرات الإسرائيلية على استكمال تدمير مواقع في الضاحية الجنوبية تصنّفها بأنّها “غرفة عمليات المقاومة”، لا بل غرفة عمليات المحور بكامله وصولاً الى اليمن.
في اختصار، فإنّ انتهاء الجولة الأولى بالنتائج التي تمخضت عنها لا تعني أبداً أنّ نهاية الحرب اقتربت، لا بل تقتضي القراءة الموضوعية اعتبار أنّ انتهاء الجولة الأولى سيعني بدء الجولة الثانية والتي ستحمل طابع المواجهات البرية.