«الجدار الحديدي» في الضفة: محاولة لاحتواء تداعيات هزيمة العدو في غزة

«الجدار الحديدي» في الضفة: محاولة لاحتواء تداعيات هزيمة العدو في غزة

كتب حسن حردان:
بعد أيام قليلة على بدء تنفيذ اتفاق وقف النار وتبادل الأسرى في قطاع غزة، والذي شكل إقراراً «إسرائيلياً» بالهزيمة والفشل في تحقيق أهداف الحرب، والتسليم بشروط المقاومة لتبادل الأسرى، بدأ جيش الاحتلال عدواناً في الضفة الغربية للقضاء على المقاومة فيها تحت مسمّى «الجدار الحديدي» بدءاً من جنين، وفيما أعلن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو أنّ هدف العملية تعزيز الأمن، قال وزير ماليته بتسلئيل سموتريتش: «بعد غزة ولبنان بدأنا اليوم بتغيير مفهوم الأمن في الضفة الغربية وأيضاً في الحملة للقضاء على الإرهاب في المنطقة، وانّ هذا جزء من أهداف الحرب التي أضيفت حسب طلب حزب صهيونية دينية، لحماية المستوطنات والمستوطنين، وأمن دولة إسرائيل بأكملها، والتي يشكل الاستيطان حزامها الأمني».

إذا كان سعي سلطات الاحتلال للقضاء على المقاومة وإخضاع الشعب الفلسطيني هدفاً دائماً لكيان العدو، فإنّ توقيت هذا العدوان الآن إنما يستهدف تحقيق جملة أهداف أخرى، يمكن اجمالها بما يلي:

أولاً، محاولة التعويض وإبعاد الأنظار عن الهزيمة الإسرائيلية في قطاع التي تجلّت في الفشل بتحقيق أهداف الحرب الثلاثة: القضاء على المقاومة وتدمير بنيتها، واستعادة الأسرى الصهاينة بالقوة، وإعادة فرض الحكم العسكري «الإسرائيلي»، معززاً بإدارة عميلة له… على أنّ هذا الفشل تمثل في خضوع حكومة العدو لشروط المقاومة لتبادل الأسرى، وفي طريقة بدء تبادل الأسرى من ساحة السرايا في مدينة غزة، وظهور عناصر كتائب القسام في غزة ورفح وغيرها من المناطق بكامل أسلحتهم وعتادهم، إضافة إلى عودة أجهزة الحكومة الأمنية والمدنية للعمل، مما وجه صفعة قوية لرهانات العدو على إضعاف حركة حماس وتقويض سلطتها.

ثانياً، تحويل الأنظار عن التداعيات التي بدأت تحدثها الهزيمة في غزة في الداخل «الإسرائيلي»، ومحاولة احتوائها، والتي تجسّدت في بدء استقالة قادة الجيش على خلفية المسؤولية عن الفشل الأمني والعسكري في 7 أكتوبر، ومطالبة نتنياهو بتحمّل مسؤولية الفشل السياسي أيضاً إلى جانب مسؤوليته عن فشل أهداف الحرب، وتعريض الجيش لخسائر فادحة بالأرواح والعتاد، والتسبّب بمقتل الكثير من الأسرى بعدما تعمّد تعطيل صفقة مبادلتهم أكثر من مرة، وكذلك مواجهة تحقيقات بتهم الفساد…

ثالثاً، إعادة ترميم الائتلاف بين اليمين واليمين المتطرف، بعد التصدّع الذي شهدته أطرافه داخل الحكومة، على خلفية الموقف من اتفاق تبادل الأسرى، واستقالة إيتمار بن غفير مع وزراء حزبه، ومعروف انّ مشروع اليمين بأجنحته المختلفة يقوم على استكمال تهويد الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وتهجير الفلسطينيين إلى الأردن،

لكن هل انّ هذه الأهداف التي تسعى إليها حكومة نتنياهو، ستتمكن من تحقيقها؟

كلّ المؤشرات تؤكد أنّ حكومة نتنياهو لن تتمكن من تحقيق أهدافها المذكورة لعدة أسباب…

السبب الأول، إنّ محاولات القضاء على المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس المحتلة وعموم فلسطين المحتلة، لم تنجح منذ احتلال فلسطين، رغم كلّ صنوف القمع والإرهاب والتنكيل والقتل والاعتقال، بل على العكس كانت المقاومة تتأجّج وتزداد اشتعالاً وتجذراً وقوة وبأسا وخبرة في مواجهة الاحتلال، وأكبر دليلا المقاومة في جنين ومخيمها حيث تتوالى هجمات الاحتلال عليهما ومع ذلك تفشل في القضاء على المقاومة.. لأنّ المقاومة تعبّر عن إرادة شعبية وتستند إلى دعم واسع من الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الاحتلال ويناضل للتخلص منه.

السبب الثاني، إنّ كيان الاحتلال لم يتمكّن من تجاوز الفشل «الإسرائيلي» في 7 أكتوبر، لأنّ جيش الاحتلال بكلّ قوته والدعم الأميركي غير المسبوق له أخفق في تحقيق أهداف حرب الإبادة على قطاع غزة، وبات يشعر بالمزيد من العجز عن تحقيق النصر، فيما بات المستوطنون أقلّ ثقة من ايّ وقت مضى بقدرة جيشهم على حماية أمنهم، بينما كيانهم أصبح يعاني من عزلة واسعة في أوساط الرأي العام العالمي، من الصعب عليه الخروج منها في ظلّ إصراره على رفض الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني.

السبب الثالث، إنّ الفشل في تحقيق أهداف الحرب، على خلفية الفشل في 7 أكتوبر سوف يؤدّي عاجلاً ام آجلاً إلى إعادة تجدّد الصراع والانقسام السياسي والمجتمعي داخل الكيان، ان كان حول من يتحمل المسؤولية عن هذه النتيجة، او حول آفاق المستقبل وكيفية تحقيق الأمن والاستقرار والحدّ من الهجرة إلى الخارج بعد أن فشل الخيار العسكري والتطرف في تحقيق النصر على المقاومة في غزة، وتصفية القضية الفلسطينية، رغم كلّ العوامل التي تصب في مصلحة جيش الاحتلال.

السبب الرابع، انّ خروج المقاومة منتصرة في مواجهة حرب الإبادة، انما يتوّج النصر الذي حققته في عملية طوفان الأقصى النوعية، وسوف يؤدي إلى تعزيز شعبيتها، مما يعزز من الدعم والتأييد لها عربياً ودولياً، ويضعف من قدرة وجهود كيان العدو لمحاصرتها وعزلها، واستطراداً يزيد من دعم حقوق الشعب الفلسطيني ونضاله لاستعادتها.. لذلك كله فإنّ محاولة العدو القضاء على المقاومة في الضفة واحتواء تداعيات هزيمته في غزة إنما هي محاولة يائسة لا بدّ أن تُمنى بالفشل كما فشلت في السابق جميع الاعتداءات الصهيونية.

Exit mobile version