الثعلب والذئب!
كتب البير خوري

تعاطي الرئيس العقلاني بوتين مع محاولة التمرد الفاشلة بقيادة زعيم المرنزقة يفغيني بريغوجين لشق الجيش الروسي واِغراق البلاد في حالة من الفوضى اثارت العديد من علامات الاِستفهام.
هذه العقلانية من قبل رجل مثل بوتين سبق ان استخدم القوة المفرطة لسحق التمرد الشيشاني وانتزع بالقوة من جورجيا-هذه العقلانية-ليس لها اي مكان في قلب بوتين،ما يؤكد ان هناك خطة مخفية جرى اعدادها في سراديب الكرملين المظلمة لاجتثاث الخيانة والمتورطين فيها يجري التكتم على تفاصيلها وربما يتم الكشف عنها في الأسابيع المقبلة.
في المشهد نفسه، يبدو ان الرواية التي طرحها رئيس بيلا روسيا وحليف بوتين المقرّب منه كشف فيها على انه اقنع الرئيس الروسي بعدم تصفية بريغوجين رئيس مجموعة فاغنر ومنح اللجوء السياسي في بلاده وهذا ماحصل.
لا شكّ في ان هذه الرواية تحتاج الى تمحيص وقراءة ما بين السطور.ذلك ان لوكاشنكو نفسه يؤمن بالقبضة الحديدية في تعاطيه مع الخصوم،وربم اكثر شراسة من حليفه بوتين وصداقته مع زعيم فاغنر لا تغيّر ابدا من هذه الحقيقة.
لقد سبق ان وصف بوتين تمرّد بريغوجين ب”خيانة عظيمة”الهدف منه اشعال فتيل حرب اهلية كمقدمة اولى لتفتيت روسيا وانه سوف يسحق التمرد ومن خلفه بدون رحمة..وشبّه التمرد بحالة الفوضى التي ضربت روسيا عام ١٩١٧ وقادت الى قيام الاِتحاد السوفياتي ..لكن يبقى الهدف ان تراجع بوتين عن نواياه بالسحق بعد اتصاله مع رئيس بيلا روسيا يبقى بحاجة الى تأنّ في معرفة ما خلفه والأسباب التي ادّت الى هذا التراجع.
لوكاشينكو اماط اللثام عن بعض الغموض الذي حيّر العديد من المراقبين عندما كشف ان بوتين لم يكن مقتنعا بجدوى الحوار مع بريغوجين،ونقل على لسان الرئيس الروسي ان زعيم فاغنر لا فائدة منه،وانه لا يردّ على اتصالات وزير دفاع روسيا ولا حتى على اتصالاته،وذلك لغطرسته واعتداده بنفسه ومكابرته على كبار القادة في المؤسسة العسكرية الروسية.
لا يختلف مختلف المحللين في الوضع الروسي المستجد ان الرئيس بوتين كان في منتهى الحكمة في مواحهته تمرّد بريغوجين بعدم التسرّع،خصوصا وأن التمرّد حدث في وقت حساس وحرج تتبدل فيه المؤسسة العسكرية الروسية وتحقيق انتصارات في حرب اوكرنيا حليفة واشنطن وحلف شمال الأطلسي..لكن السؤال الأهم:حتى متى تستمر هذه العقلانية من قبل رجل يتّصف بقوة الشخصية والصلابة وبسرعة الحسم وعدم التسامح ابدا مع الخونة،وهي صفات مكّنته من استعادة عظمة الاِتحاد ااروسي وفرض مكانة بلاده كقوة نووية كبرى تستند على اقتصاد قوي وتوثيق اقوى العلاقات مع الصين للاِطاحة بهيمنة الولايات المتحدة عن عرش القوة الأعظم والوحيدة في العالم.
الأكيد ان خيانة بريغوجين فشل وهو في مهده،وأن تفكيك روسيا ليس بالأمر الهيّن كما تراءى لبعض حكام الغرب وجيوشهم..وبغضّ النظر عن الأسباب التي دفعت بريغوجين الى مغامرة محسومة بالفشل،سواء انتفاخه الشخصي الكاذب او التواطؤ والعمالة للمخابرات الأميركية والغربية عموما،يبقى مصير زعيم فاغنر امام احتمالين:اِما ان يستثمر في ما جمعه من ثروات لقاء عمالته والحرب الأوكرانية في اعمال قذرة في افريقيا او ان يقدم بوتين على تصفيته كما سبق وتعهّد منهيابذلك عمالة ثعلب وقع في اشداق ذئب لا يرحم الخونة.

Exit mobile version