كتب أحمد العبد في “الأخبار”:
لليوم الثالث على التوالي، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مدينة جنين ومخيّمها في الضفة الغربية المحتلة، وسط اندلاع اشتباكات مسلحة مع مقاومين فلسطينيين، وسماع دويّ انفجارات بين حين وآخر. وفرض جيش العدوّ حصاراً مطبقاً على جنين، التي تركزت فيها العملية العسكرية التي أُطلق عليها اسم «مخيمات الصيف»، بعد انسحاب الجيش في وقت متأخر من مساء الخميس من مدينة طولكرم ومخيمَيها، طولكرم ونور شمس، وقبله بيوم من مخيّم الفارعة في مدينة طوباس. على أنه ليس ثمة قيمة لانسحاب الاحتلال من طولكرم وطوباس؛ إذ لا تستغرق عملية الاقتحام أكثر من 3 دقائق في كل منهما، وذلك على غرار بقية المناطق في الضفة الخاضعة بالفعل لاحتلال عسكري مباشر، ينعكس في عمليات الاقتحام الليلية التي تجري في كل المناطق، فيما لا تلوح في الأفق نهاية للهجوم على جنين.وفي السياق، نقلت إذاعة جيش الاحتلال عن القيادة الوسطى قولها إن «العملية العسكرية في جنين غير محددة بزمن وستنتهي بعد تحقيق أهدافها»، في ما شكّل تكراراً لتصريحات مماثلة دأب الجيش على إطلاقها خلال عدوانه على قطاع غزة، في رسالة ضغط على المقاومة والأهالي، واختبار للمنظومة الدولية، التي اكتفت خلال الساعات الماضية بإبداء قلقها وإدانتها الخجولة للعملية العسكرية. وخلال اليومين الماضيين، عزز جيش الاحتلال قواته بقوات إضافية من المعسكرات والحواجز العسكرية المحيطة بالمدينة، ليوسّع من حدّة هجومه، مساء أمس، ويدفع بالمزيد من التعزيزات والجرافات إلى المخيم.
وشهد اليوم الثالث من العدوان اغتيال الاحتلال 3 مقاومين، هم: القيادي في «كتائب القسام» وسام خازم، والقيادي في «كتائب شهداء الأقصى» ميسرة مشارقة، والقيادي في «سرايا القدس – كتيبة جنين» عرفات العامر، وذلك في بلدة الزبابدة في محافظة جنين، بالإضافة إلى استشهاد رجل مسن برصاص الاحتلال، لترتفع حصيلة الشهداء منذ بدء العملية العسكرية فجر الأربعاء، إلى 20 شهيداً. وبحسب المصادر المحلية ومقطع مصوّر بثّه الاحتلال، فقد حاولت قوة خاصة اعتراض مركبة المقاومين الثلاثة فجر الجمعة، لكن المقاومين تمكنوا من الاشتباك مع القوة والانسحاب من المكان، ما استدعى طلب المساعدة من الطيران المسيّر الذي نفذ قصفاً أدى إلى استشهادهم، واحتجاز جثامينهم. وزعم جيش الاحتلال أن الشهيد حازم كان ضالعاً في تنفيذ وتوجيه عمليات إطلاق نار وتفجير عبوات ناسفة، إلى جانب هجمات أخرى في الضفة، فيما نعت حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، في بيانين منفصلين، شهداء الزبابدة. ودعت الأولى الشعب الفلسطيني والمقاومين في كل المحافظات «إلى مزيد من المؤازرة والانتفاض لصدّ العدوان، وتصعيد الاشتباك مع الاحتلال وقطعان المستوطنين، استكمالاً لصورة التلاحم البطولي في معركة طوفان الأقصى المباركة»، بينما أكّدت «الجهاد» أن عمليات الاغتيال لن توقف فصائل المقاومة في الضفة عن «التصدي للعدوان ومواصلة الاشتباك معه».
بدأت حملات شعبية لجمع المواد التموينية والأغذية والأدوية لجنين المحاصرة
وتُرجمت بيانات فصائل المقاومة على الأرض، حيث واصل المقاومون خوض اشتباكات عنيفة على عدة محاور في المدينة والمخيم، فيما تمثّل التطور الأهم في انتقال المقاومة إلى مرحلة الاشتباك مع قوات الاحتلال من مسافات قريبة. فقد أعلنت «كتيبة جنين» الانتقال إلى المرحلة الثانية من هذه المعركة التي أطلقت عليها اسم «رعب المخيمات»، وقالت «سرايا القدس»، أمس، إنها انتقلت «في أعمال التصدي والقتال إلى المرحلة الثانية والتي تعتمد على توظيف الأرض بالشكل الصحيح وإعادة بناء القدرات ونصب الكمائن وتفجير العبوات في سلسلة عمليات نوعية». وأكّدت «السرايا» أن مقاتليها نفذوا في المرحلة الثانية «سلسلة من العمليات العسكرية الكبرى، والتي غيّرت مسار المعركة، وعلى رأسها كمائن الموت في جنين وطولكرم، وليس آخرها عندما أوقع مقاتلوها مجموعة من جنود الاحتلال في كمين مركّب في حارة المنشية (في مخيم نور شمس)».
وتتطابق روايات المصادر المحلية في جنين، والمصادر الإعلامية في المدينة، مع ما تصدره فصائل المقاومة حول الكمائن والاشتباكات التي تُكبّد فيها قوات الاحتلال خسائر لم يفصَح عنها حتى الآن. وأكدت «كتائب القسام»، مساء الخميس، تمكن مقاتليها من قتل جندي واحد على الأقل وإصابة آخرين في الحارة الشرقية، في كمين بعبوات ناسفة معدّة مسبقاً استهدف آليات العدو، بالإضافة إلى تفجير عشرات العبوات بالآليات العسكرية. والأمر نفسه انسحب على «سرايا القدس» و«كتائب شهداء الأقصى» اللتين أعلنتا عن عمليات مشابهة.
وعلى ضوء الحصار المفروض على مدينة جنين، مُنِع الفلسطينيون من أداء صلاة الجمعة في المساجد لأول مرة منذ 22 عاماً، في وقت استمر فيه منع دخول المواد الغذائية والخبز والمياه ومحاصرة المستشفيات، وواصلت جرافات الاحتلال عمليات تجريف الشوارع والبنى التحتية في المدينة ومخيمها، ما أدى إلى انقطاع المياه والتيار الكهربائي عن مناطق واسعة. كذلك، أوقفت «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين» (أونروا) عملياتها في مخيمات الضفة، فيما قال المفوض العام للوكالة، فيليب لازاريني، إن عمليات القوات الإسرائيلية، شمال الضفة، لها تأثير متواصل على عشرات الآلاف من الأشخاص في 4 مخيمات للاجئين، لافتاً إلى أن الـ«أونروا» اضطرّت إلى تعليق خدماتها جراء هذه العمليات التي خلّفت دماراً هائلاً في البنى التحتية. وأشار إلى أن أكثر من 150 طفلاً فلسطينياً قُتلوا في الضفة منذ بدء الحرب على قطاع غزة، بحسب تقديرات «منظمة الأمم المتحدة للطفولة» (يونيسيف).
وإزاء هذا الوضع الإنساني القاسي، شهد العديد من القرى والبلدات في المحافظة حملات شعبية لجمع المواد التموينية والأغذية والأدوية لجنين المحاصرة منذ أيام. وأطلق المواطنون في بلدات رمانة واليامون ويعبد وقباطية، أمس، حملات تبرع ومساندة، وعملوا على تجهيز كميات كبيرة من الخبز وإرسالها إلى المناطق المحاصرة منذ أكثر من 60 ساعة، وجمع طرود غذاء ومياه معدنية، تمهيداً لنقلها إلى مخيم جنين.