بعد يوم من تمرير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتعديل مثير للخلاف في أحد قوانين السلطة القضائية عبر البرلمان، غطى إعلان باللون الأسود الصفحات الأولى بجميع الصحف الإسرائيلية الرئيسية يحمل عبارة “يوم أسود لديمقراطية إسرائيل”.
كان الإعلان مدفوع الثمن من قبل مجموعة من شركات التكنولوجيا الفائقة التي تحتج على سياسات نتنياهو فيما يتعلق بالقضاء، والتي يقول محللون إنها أطلقت العنان لعدد كبير من المخاطر، سواء بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي أو بالنسبة لمستقبل نتنياهو السياسي.
كان الائتلاف الحاكم المؤلف من أحزاب قومية ودينية بزعامة نتنياهو أقر يوم الاثنين التشريع الجديد في الكنيست والذي يضع قيودا على بعض صلاحيات المحكمة العليا بالرغم من الاحتجاجات الحاشدة في الشوارع والرفض الشديد من أحزاب المعارضة.
وتأثر الشيقل الإسرائيلي مع كل منعطف سارت فيه الأحداث في البرلمان عندما تصاعدت الجهود للتوصل إلى تسوية قبل انهيارها في نهاية المطاف.
لكن تقلبات الشيقل الذي فقد نحو 10 بالمئة من قيمته مقابل الدولار منذ أن أعلنت حكومة نتنياهو عن خططها بخصوص القضاء في يناير كانون الثاني بسبب قلق المستثمرين الأجانب، ليست سوى جانب واحد من الجوانب السلبية بالنسبة للاقتصاد حتى الآن.
ويُعد الاقتصاد الإسرائيلي قويا نسبيا في الوقت الراهن، مع توقع نمو بنسبة ثلاثة بالمئة هذا العام ومعدل بطالة عند 3.5 بالمئة. ويُعد قطاع التكنولوجيا الفائقة محركا هاما للنمو إذ يعود إليه الفضل في 14 بالمئة من الوظائف وما يقرب من خمس الناتج المحلي الإجمالي.
كل ذلك سيواجه صعوبات على الأرجح إذا سعت حكومة نتنياهو لإجراء مزيد من التغييرات التي قد يُخشى من أن تلحق الضرر بالسلطة القضائية التي لا يزال يُنظر إليها في الخارج على أنها قوية ومستقلة.
وبالفعل أعلن بنك مورجان ستانلي يوم الثلاثاء خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل إلى “وضع غير مرغوب فيه”.
وقال مورجان ستانلي “تشير الأحداث الأخيرة إلى استمرار حالة عدم اليقين وبالتالي احتمالية زيادة علاوة المخاطر التي ستؤدي إلى إضعاف العملة وزيادة تكاليف الاقتراض”.
وأضاف “تؤدي مثل هذه الصدمات الاقتصادية إلى ضعف نمو الناتج المحلي الإجمالي بسبب تراجع الاستثمار ونمو الاستهلاك”.
وقالت وكالة موديزز للتصنيف الائتماني يوم الثلاثاء إن إقرار القانون الجديد في إسرائيل يشير إلى أن التوترات السياسية ستستمر وسيكون لها على الأرجح عواقب سلبية على الوضعين الاقتصادي والأمني في إسرائيل.
وقبل نشر التقرير، أصدر نتنياهو بيانا قال فيه إن “هذا مجرد رد فعل لحظي، وعندما يزول الغبار سيتضح أن اقتصاد إسرائيل قوي جدا”.
*الحركة في مساحة خطرة
قال إسحق راز الخبير الاقتصادي بالجامعة العبرية في القدس “مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي لا يبدو مشرقا في هذه اللحظة”.
وحث الاقتصاديون والمسؤولون الحاليون تحالف نتنياهو على عدم المضي قدما في التعديلات القضائية دون التوصل إلى توافق واسع.
قال راز “ما زالوا يتجاهلون إشارات التحذير الضخمة ويسيرون في مساحة خطرة”.
وحتى إذا اختار نتنياهو إلغاء خطط إجراء مزيد من التعديلات القضائية، فسيكون من الصعب إصلاح الضرر.
كان قطاع التكنولوجيا الفائقة، الذي عادة ما يكون بعيدا عن النقاش السياسي، قوة دافعة في الاحتجاجات ضد تحركات الحكومة. ويستمد اقتصاد إسرائيل الذي يقارب حجمه 500 مليار دولار قوة من قطاع التكنولوجيا، الذي يمثل أكثر من نصف الصادرات وربع الدخل الضريبي.
وأورد عدد من شركات التكنولوجيا تقارير عن خروج الأموال من إسرائيل، في حين تباطأت التدفقات من الخارج بشكل حاد. ويجري توطين الشركات الناشئة الجديدة في الخارج على نحو متزايد.
ووجد استطلاع أجرته سلطة الابتكار الإسرائيلية أنه بحلول شهر مايو أيار، كانت الشركات الناشئة التي افتتحت خارج إسرائيل تمثل نسبة 80 بالمئة من الشركات التي تم تأسيسها خلال هذا العام، وأن الشركات تعتزم أيضا تسجيل ملكيتها الفكرية المستقبلية في الخارج.
وقال آفي حسون الرئيس التنفيذي لشركة نيشن سنترال “سيكون من الصعب الرجعة عن التوجهات على غرار تسجيل شركات في الخارج أو إطلاق شركات ناشئة جديدة خارج إسرائيل”.
وسيخسر قطاع التكنولوجيا الكثير إذا أجريت المزيد من التعديلات القضائية لأن الشركات تحتاج إلى نظام قانوني موثوق به لحماية ملكيتها الفكرية.
وقال نيكولاس فار، خبير الأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس “أكبر مصدر للقلق هو أن تكون هذه الإصلاحات هي مجرد بداية.. قد تؤدي التعديلات في النظام القضائي إلى مزيد من التغييرات المؤسسية التي يمكن أن تضع إسرائيل في مسار نمو متدن بشكل دائم”.
ويقول محللون إنه بالرغم من احتمال حدوث ضرر على المدى القصير، خاصة إذا حدث إضراب للقطاع العام وهو ما هدد به اتحاد نقابات العمال الإسرائيلية (الهستدروت) ، فإن النمو سيعاني أكثر على المدى الطويل بسبب تراجع الاستثمار وما يسمى بهجرة الأدمغة.
- تضخم اقتصادي
لم يرد مكتب نتنياهو على طلب للتعليق على التداعيات المحتملة للسياسة القضائية لحكومته.
وفي الفترة التي سبقت فوزه في الانتخابات في الأول من نوفمبر تشرين الثاني، ركز الزعيم اليميني المخضرم والمدافع عن السوق الحرة حملته على ارتفاع تكاليف المعيشة.
ووعد نتنياهو بتقديم إعانات مالية للأسر التي تعاني بسبب التضخم.
وحافظت إسرائيل على فائض في الحساب الجاري بميزان المدفوعات بسبب الاستثمار الأجنبي الهائل في شركات التكنولوجيا ودعم الشيقل.
لكن البنك المركزي حذر منذ شهور من أن الشيقل يتعرض لضربة بسبب التعديلات القضائية التي اقترحتها الحكومة. وقال أمير يارون محافظ البنك يوم 10 يوليو تموز إن “التدني المفرط” في قيمة الشيقل ساهم بما يصل إلى 1.5 نقطة مئوية في التضخم.
وساعدت زيادة علاوة المخاطرة في إسرائيل على إضعاف الشيقل، ورفع البنك المركزي أسعار الفائدة بشكل أكبر مما كان يأمل، مما يعني المزيد من الألم لحاملي الرهن العقاري وغيرهم من المقترضين.
وقد تشكل مصادقة الكنيست على التعديل القضائي يوم الاثنين أيضا خطرا سياسيا كبيرا على نتنياهو على المدى الطويل.
وقال المحلل السياسي أموتز عزائيل، إن نتنياهو من خلال الضغط باتجاه التعديل القضائي، انحاز إلى العناصر الأكثر تشددا واليمين المتطرف في حكومته الائتلافية بدلا من المعتدلين، الذين يتنافس بعضهم على خلافته.
يتسبب هذا في شقاق محتمل بحكومته الائتلافية يمكن أن يتفاقم إذا ذهب نتنياهو بعيدا باتجاه أي من الجانبين. إضافة إلى ذلك، ربما يكون نتنياهو قد فقد مؤيدين معتدلين لحزبه الليكود إلى الأبد.
وقال عزائيل الباحث في معهد شالوم هارتمان للأبحاث “هناك قطاعات كبيرة من اليمين الإسرائيلي تعارض ما فعله تماما.. هذه ليست مسألة يمين ويسار على الإطلاق.. إنها مسألة صواب وخطأ”.