كتب حسين الأمين في “الأخبار”:
حتى مساء أمس، كانت واشنطن لا تزال تؤكّد أن إسرائيل قبلت «المقترح الأميركي» لصفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة. إلا أن «القبول» الذي تتحدّث عنه الإدارة الأميركية، ليس سوى جزء من حملة بثّ «الإشارات الإيجابية»، إذ توضح وقائع المفاوضات التي دارت خلال الفترة الماضية، إضافة إلى التصريحات الواضحة والصريحة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وغالبية وزراء حكومته، أن تل أبيب «انقلبت» على المقترح الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي، جو بايدن، في أيار/ مايو الفائت، عبر وثيقة «إيضاحات المرحلة الأولى من تطبيق مسوّدة اتفاق 27/5»، أو «مسوّدة نتنياهو»، والتي سلّمها فريق إسرائيل التفاوضي إلى الوسطاء، في 27 تموز/ يوليو الفائت.
ونشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، قبل يومين، تقريراً كتبه المحلّل السياسي والأمني المعروف بعلاقته الوثيقة بالأجهزة الأمنية الإسرائيلية، رونين برغمان، حول «وثيقة نتنياهو»، وعمد فيه إلى تسريب أجزاء من الوثيقة المكوّنة من 7 صفحات، بما في ذلك خرائط لمحوري «نتساريم» و«فيلادلفيا»، وجداول أسماء الأسرى الإسرائيليين الذين تطالب الوثيقة بإطلاق سراحهم ضمن المرحلة الأولى من الصفقة. ويظهر واضحاً، من خلال التقرير، أن الحاجز الحقيقي الذي زرعه نتنياهو في طريق الصفقة، هو إبقاء القوات الإسرائيلية داخل القطاع، وبشكل خاص في «نتساريم» و«فيلادلفيا». ويفتتح نتنياهو وثيقته المؤرّخة في 27 تموز/ يوليو، بما سمّاها «مطالب غير قابلة للتفاوض يجب تلبيتها حتى تتمكّن إسرائيل من المضي قُدماً في الاقتراح المدعوم من الولايات المتحدة»؛ ومن بين هذه المطالب أن «تظلّ إسرائيل مسيطرة على محور فيلادلفيا، فضلاً عن محور نتساريم ومعبر رفح الحدودي»، فيما لم يظهر بند كهذا، على الإطلاق، في الاقتراح الأصلي المؤرّخ في 27 أيار/ مايو، والذي كانت قد وافقت عليه «حماس». في ما يلي، تفنيد لـ«التعديلات/ التوضيحات» التي وردت في «وثيقة نتنياهو»، والتي أظهرت انقلاباً في الموقف، وأدّت إلى وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، إضافة إلى أبرز ما طرحه الوسطاء من «أفكار» لتجاوز الخلافات، مع الإشارة إلى أنه عند الإعلان عن المقترح الأميركي، لم يكن العدو قد احتلّ «محور فيلادلفيا» بعد، وبالتالي لم يجرِ التطرق إلى المحور المذكور بشكل مباشر، كما أن المقترح برمّته يتركّز على «المرحلة الأولى» من الصفقة، على أن يجري التفاوض على المرحلة الثانية، خلال تنفيذ الأولى، من دون ضمان الانتقال إلى الثانية.
«إعادة انتشار» القوات الإسرائيلية
– بحسب اقتراح 27 أيار/ مايو، فإنه بحلول اليوم السابع من المرحلة الأولى التي تستمرّ 42 يوماً من الصفقة، ستنسحب القوات الإسرائيلية بالكامل من شارع الرشيد شرقاً إلى شارع صلاح الدين، وستبدأ عودة النازحين إلى أماكن سكناهم (من دون حمل السلاح أثناء العودة). وبحلول اليوم الثاني والعشرين، من المرحلة الأولى، تنسحب القوات الإسرائيلية من وسط قطاع غزة (وخاصة محور نتساريم ومحور دوار الكويت) شرق شارع صلاح الدين إلى منطقة على طول الحدود (حزام حدودي).
– بحسب «وثيقة نتنياهو»، في 27 تموز/ يوليو، فإن «إعادة انتشار» القوات الإسرائيلية ستتمّ وفقاً للخرائط المرفقة (المسرّبة من الوثيقة الأصلية). وفي حين أن الخرائط المتعلّقة بـ«محور نتساريم» لم تتغيّر عن الاقتراح السابق، أظهرت خريطة جديدة لـ«محور فيلادلفيا»، أنه سيتمّ «خفض» القوات الإسرائيلية على طول المحور، لكن القوات لن تنسحب منه بالكامل. أما بخصوص «نتساريم»، فقد نصّت «وثيقة نتنياهو»، كما المقترح الأصلي، على أن «لا يحمل العائدون السلاح»، لكن نتنياهو أضاف أن «العودة من دون أسلحة سيتمّ ضمانها وتنفيذها بطريقة معتمدة مُسبقاً»، من دون تحديد ماهيّة هذه الطريقة، فيما تحدّثت تقارير إسرائيلية لاحقاً عن مقترحات عدّة، منها ما طرحه نتنياهو نفسه، من حفر خنادق ونحو ذلك، وهو ما رفضه الجيش الإسرائيلي واعتبره غير مجدٍ.
«التعديلات/ التوضيحات» التي وردت في «وثيقة نتنياهو»، أظهرت انقلاباً في الموقف
– بحسب آخر نقاشات الوسطاء، يجري الحديث عن «آلية لمراقبة الحدود» بين قطاع غزة ومصر (فيلادلفيا)، مع انسحاب القوات الإسرائيلية. وهذه الفكرة ليست وليدة الساعة، بل جرى التداول فيها بين المصريين والأميركيين، وحتى الإسرائيليين، في الأشهر الأولى من الحرب. ومن الممكن أن تقوم «آلية المراقبة» على بناء حاجز تكنولوجي وصلب تحت الأرض على الجانب المصري، إضافة إلى تثبيت وسائل مراقبة واستشعار لحفر الأنفاق، وتكليف قوات مصرية من النخبة، وقوة فلسطينية (من غير حماس) على الجانب الفلسطيني، بمنع التهريب فوق الأرض، على أن تشرف على هذه الآلية الولايات المتحدة، مع احتمال أن تموّلها الإمارات، بحسب ما جرى الحديث عنه سابقاً. ويسوّق الأميركيون أنه في المرحلة الأولى من الصفقة، يمكن الاكتفاء بخفض القوات الإسرائيلية في «فيلادلفيا» (الانسحاب من الجزء الغربي من المحور حيث التجمّعات السكنية). في حين أنه بخصوص محور «نتساريم»، لم يتداول الوسطاء أفكاراً جدّية للآلية التي يمكن العمل بها لتلبية مطلب نتنياهو بـ«إيجاد طريقة لضمان عدم عودة المسلحين» إلى شمال القطاع، على رغم اعتقاد الوسطاء أن تجاوز معضلة «فيلادلفيا» سيسمح بتجاوز عقدة «نتساريم» بسهولة، وأنه من الممكن اعتماد الآلية نفسها.
فتح معبر رفح
– بحسب اقتراح 27 أيار/ مايو، جاء ما يلي: «بعد إطلاق سراح جميع الجنديّات الإسرائيليات، سيتمّ الاتفاق على عدد العسكريين الجرحى الذين سيُسمح لهم بالسفر إلى معبر رفح لتلقي العلاج الطبي، وزيادة عدد المسافرين والمرضى والجرحى عبر معبر رفح، وإزالة القيود المفروضة على السفر والعودة، وحركة البضائع والتجارة».
– أما بحسب «وثيقة نتنياهو»، فقد عدّلت إسرائيل بالبند المتعلّق بمعبر رفح، وتراجعت عن «إزالة القيود»، وحوّلتها إلى «ترتيبات لإعادة فتح» المعبر. وجاءت الصيغة كالتالي: «سيتمّ اتخاذ الترتيبات اللازمة لإعادة فتح معبر رفح البري لسفر المرضى والجرحى، ولحركة البضائع والتجارة».
– ووفقاً لآخر نقاشات الوسطاء، يمكن إعادة فتح معبر رفح، من خلال تسليم إدارته إلى السلطة الفلسطينية، أو مجموعة فلسطينية من غير «حماس»، تشرف على تدريبها الولايات المتحدة بشكل خاص، كما تتولّى «بعثة أوروبية» مراقبة عمل المعبر، وهو ما كان حاصلاً من قبل. وبالفعل، تمّ التواصل مع عدد من الدول الأوروبية التي أبدت موافقة مبدئية على المشاركة.
تبادل الأسرى
– بحسب اقتراح 27 أيار/ مايو، يُفترض أن «تطلق حماس سراح 33 من الرهائن الإسرائيليين (الأحياء والرفات البشرية) من النساء (المدنيات والمجنّدات)، والأطفال (تحت 19 عاماً من غير الجنود)، وكبار السنّ (فوق 50 عاماً) والمرضى والجرحى المدنيين، في مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين في السجون ومراكز الاحتجاز الإسرائيلية». وفي ما يتعلّق بـ«الأسرى الأمنيين» الفلسطينيين، جاء في المقترح الأول أنه كجزء من التبادل «سيتمّ إطلاق سراح عدد متّفق عليه من الأسرى (50 على الأقلّ) المحكوم عليهم بالسجن المؤبّد وترحيلهم إلى الخارج أو إلى غزة».
– أما بحسب «وثيقة نتنياهو»، فقد وضع رئيس الوزراء قائمة بأسماء الأسرى الثلاثة والثلاثين الذين تتوقّع إسرائيل إطلاق سراحهم (طالبت إسرائيل في وقت سابق بأن تقدّم «حماس» – مُسبقاً – لائحة بأسماء هؤلاء، لكنّ حماس رفضت، فعمد الإسرائيلي إلى وضع لائحة متوقّعة تهدف إلى فتح النقاش حول من يمكن اعتباره «مريضاً» من الأسرى، وبالتالي تشمله المرحلة الأولى، وهذا من شأنه أن يطيل المفاوضات، وأن يفتح الباب أمام مطالبة إسرائيل بزيادة عدد الأسرى الذين ستشملهم هذه المرحلة). وفي ما يتعلق بـ«الأسرى الأمنيين»، تمّ تعديل البند في «وثيقة نتنياهو»، حيث حُذفت كلمة «غزة»، ما يعني حُكماً إبعاد الأسرى الأمنيين إلى خارج الأراضي الفلسطينية بالكامل.
– ووفقاً لآخر نقاشات الوسطاء، وخصوصاً التي جرت حديثاً في الدوحة، جرى التوافق على مفاتيح التبادل إلى حدّ بعيد نسبياً، إلا أن ما بقي محلّ أخذ وردّ، هو مسألة إبعاد «الأسرى الأمنيين» الفلسطينيين. كما استجدّت مسألة في هذا السياق، وهي أن 4 من الأسرى الستّة الذين قُتلوا الأسبوع الفائت، كان من المقرّر إطلاق سراحهم خلال المرحلة الأولى من الصفقة المحتملة.