الاخبار الرئيسيةمقالات

التضخّم التشريعي

النهار- زياد شبيب

يشهد العديد من الدول ظاهرة تسمى “التضخم التشريعي”، وهنالك اتجاه متعاظم إلى إقرار قوانين كبيرة الحجم، تتعلق بشؤون مستجدة بعضها يحتاج إلى تشريعات لكن كثيراً منها ليست الحاجة إليه حقيقية بدليل بقائه دون تطبيق. وفي لبنان، كعادتنا في السيّئات، نتقدّم في هذه الظاهرة. والأثر الحقيقي لإقرار بعض القوانين يقتصر على الصدى السياسي الذي تحدثه وحسب.

قانون المنافسة الذي أقرّه مجلس النواب في الجلسة التشريعية الأخيرة، عرّف الاحتكار بأنه “التحكم من قبل شخص أو مجموعة أشخاص بشكل مباشر أو غير مباشر في توفير كمية وأسعار منتج، لا يمكن استبداله بمنتج آخر بما يؤدي إلى تقييد حركة المنافسة في السوق أو الإضرار بها.”

نعم القانون الجديد يطيح منظومة الوكالات الحصرية أو على الأقل يخفف من وطأة الاحتكار الذي مارسه تجار على مدى عقود واستغلوا القوانين السابقة لفرض أسعار مرتفعة للسلع التي كانوا يحوزون وكالات حصرية بها.

كُثرٌ هنأوا النفس بإقراره ولكن بمراجعة هذا القانون يُطرح السؤال عن مدى جدية الدولة في تطبيق أحكامه، وهي المحتكر الأول والجهة الأكثر منعاً للمنافسة في العديد من القطاعات التي تديرها وتتصل بسلع وخدمات هامة.

الدولة تحتكر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، الكهرباء من خلال مؤسسسة كهرباء لبنان والقانون يمنع إنتاج الطاقة الكهربائية من غير تلك المؤسسة إلا للاستعمال الفردي. وتحتكر الاتصالات الأرضية وقد استردت الخليوي وأنشأت شركتين لإدارة القطاع لحساب وزارة الاتصالات مع انعدام تام للمنافسة. الدولة تحتكر التبغ والتنباك من خلال إدارة حصر هذه المواد التابعة لوزارة المالية. الدولة تحتكر النقل الجوي النظامي من خلال شركة طيران الشرق الأوسط المملوكة بشكل شبه كامل من مصرف لبنان والقانون يعطي الشركة احتكاراً صريحاً للقطاع ويمنع أية منافسة. حتى ألعاب القمار تحتكرها الدولة من خلال كازينو لبنان.

قد لا يوجد من يصدّق بأنّ هنالك نيّة حقيقية لتعزيز “حرية المنافسة” ومكافحة الممارسات الاحتكارية والهيمنة على السوق وتعزيز الإنتاج والابتكار والجودة والنوعية، كما جاء في المادة الأولى من القانون الجديد للمنافسة.

الهدف إذاً من التشريع يقتصر على الصدى السياسي لإقراره.

يتذكّر اللبنانيون كيف اكتشفت الدولة أن قانون السير، بعد إقراره، تشوبُه ثغرات وأخطاء تمنع المباشرة بتطبيقه. وكيف سقط قانون منع التدخين في الأماكن العامة في الإهمال وعدم التطبيق تحت ضربات النراجيل.

العديد ممن صوتوا على القوانين المتعلقة بالفساد، “مكافحة الفساد في القطاع العام” و”الإثراء غير المشروع”، يدركون بأنها هدفت فقط إلى امتصاص النقمة الشعبية من استفحال الفساد والانهيار المالي والاقتصادي ولتسجيل خطوات شكلية في طريق مكافحته.

أشهر تلك القوانين قانون استرداد الاموال المتأتية من الفساد (استعادة الأموال المنهوبة)، صدر في أوج غليان الشارع وأوحى إقراره ببدء عهد المحاسبة واستعادة المال العام. حتى أن القانون المذكور تضمن إنشاء “صندوق وطني” لإدارة واستثمار الأموال المستعادة، وحدّد وجهات استعمالها ومنها تقديم الهبات الى “مشاريع الدولة الرامية الى مكافحة الفقر وتحقيق التنمية المستدامة.”

الرئيس الأسبق للمجلس الدستوري الفرنسي Pierre MAZEAUD تحدث قبل سنوات عن “القوانين الثرثارة” Les lois bavardes ، التي تشوّه مبدأ القانون نفسه، وتقتصر على الاستجابة للمخاوف والرغبات السياسية وتشكل وسيلة للتواصل السياسي. وقد سال حبر كثير حول ظاهرة التضخم التشريعي في فرنسا l’inflation legislative. هذه العبارة بذاتها مثيرة في زمن التضخم اللبناني المفرط، في ميادين عديدة، منها الليرة والفقر والخوف والأنا.

زر الذهاب إلى الأعلى