البيطار يُحيي تحقيقات المرفأ: “فقاعة” قضائية

 

بعد أكثر من عامين على توقّف التحقيقات في قضيّة انفجار المرفأ الذي وقع في 4 آب 2020، أعاد المحقّق العدلي طارق البيطار تحرك الملف بالادّعاء أمس على 10 أشخاص، من دون أن يكون بمقدوره تسويق «المشروع» أمام النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجّار الذي التقاه في مكتب رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبّود، إذ خرج البيطار من الاجتماع بأجواءٍ سلبية بعد رفض الحجّار أن تتم التبليغات عبر النيابة العامّة التمييزيّة التي تسلّمها بدورها إلى الضابطة العدليّة بغية تنفيذها، لتمسّكه بمفاعيل قرارات سلفه القاضي غسّان عويدات بالطّلب في كانون الثاني 2023 من رئيس وموظّفي قلم النيابة العامّة التمييزيّة وأمانة سر النائب العام لدى محكمة التمييز «عدم استلام أي قرار أو تكليف أو تبليغ أو استنابة أو كتاب أو إحالة أو مذكّرة أو مُراسلة أو مستند من أي نوع صادر عن المحقّق العدلي المكفوف اليدين وغير ذي الصفة، القاضي البيطار»، إضافةً إلى ادّعاء عويدات على الأخير واعتباره مغتصب سُلطة، قبل أن يُخلي سبيل الموقوفين على ذمّة التحقيق في الملف.

وحاول البيطار القفز عن تمنّع الحجّار من التبليغ عبر النيابة العامّة التمييزيّة، بالاستعانة بدائرة المُباشرين القضائيين الذين سيُكلّفون بإرسال مذكّرات التبليغ مباشرةً أو لصقاً إلى المدّعى عليهم والمستدعين، وهو ما يحوّل تحريك الملف الذي يُريده البيطار إلى أشبه بـ«فقاعة» لا تقدّم ولا تؤخّر، إذ تؤكّد مصادر قضائيّة أن المحقّق العدلي لا يستطيع توقيف أي مستدعى، كما لا يُمكنه اتخاذ أي إجراء بحق من يتمنّع عن الحضور، أو إصدار قراره الظني حتّى.

وعلمت «الأخبار» أن الحجّار ينكبّ على إيجاد حلولٍ قانونيّة تُمكّن القضاء من تصويب مسار التحقيقات بغية فتح هذه القضيّة بطريقة قانونيّة وعلى أُسس صحيحة. وعلى عكس ما تمّ ترويجه بأنّ الحجّار ينوي وضع استقالته على الطّاولة في حال سار البيطار في إجراءاتٍ يعتبرها غير قانونيّة، أشار متابعون إلى أنّ «هذا الأمر لن يحصل. وفيما يُمكن للحجّار أن يتنحّى عن الملف، إلا أنّ هذا السيناريو غير مطروح في المرحلة الحاليّة».

مخالفة استمرار التحقيقات

المحامي خليل المولى، الذي تابع الملف على مدار السنوات الماضية وتوكّل عن أحد المدّعى عليهم المُخلى سبيلهم، شكّك في قانونية الإجراءات المتّخذة باعتبار أنّ البيطار لا يجب من حيث الأصول أن يستكمل النّظر في الدعوى لسببين:

الأوّل: سبق أن قدّم المدّعى عليهم طلبات نقل الدعاوى منه. وبمعزل عن عدم البت في هذه الطلبات لعدم اكتمال الهيئة العامّة لمحكمة التمييز، فإنّ المادة 125 من أصول المحاكمات المدنيّة تنص على أنه «منذ تبلّغ القاضي المطلوب ردّه طلب الرد يجب عليه أن يتوقف عن متابعة النظر في القضية إلى أن يُفصل في الطلب».
الثاني: القرارات التي اتخذها عويدات سابقاً، وأهمّها ادّعاؤه على البيطار جزائياً واعتباره مغتصب سلطة، علماً أنّ الادّعاء توقّف عند قاضي التحقيق حبيب رزق الله لعدم وجود هيئة اتهامية.

هذان السببان، وفق المولى، يُحتّمان على البيطار التوقّف عن استكمال تحقيقاته، في ظلّ التشكيك في الاجتهاد الفرنسي الذي يقول إنه لا يُمكن تقديم طلبات رد بحق المحقق العدلي، والذي يستند إليه الأخير لاستئناف عمله. ويؤكّد المولى أنّ «هذا الاجتهاد يتعارض مع نص القانون وهو غير ملزم أصلاً، كما أنّه لا يتناسب وموقع البيطار، إذ لا محقّق عدلياً في المحاكم الفرنسيّة».

وفي ما يتعلق بالاستعانة بدائرة المباشرين القضائيين بدلاً من مراسلة الضابطة العدلية عبر النيابة العامّة التمييزيّة، يلفت المولى إلى أنّ هذا الإجراء قانوني؛ إذ يمكن اللجوء إلى المباشرين إذا تعذّر تبلّغ القضاة في الدعاوى الجزائيّة عبر الضابطة العدلية. غير أن الاستعانة بالمباشرين «تثير التباساً حول تمسّك البيطار برفضه التعامل معه كقاضي تحقيق، فيما هذا الإجراء يعيدنا إلى صفة قاضي التحقيق، إذ لم يسبق لقاضٍ عدلي أن استعان بالمباشرين للتبليغ على عكس قضاة التحقيق».

«حركة بلا بركة»؟

ويبدو أن السؤال الأهم الذي يُطرح هو حول النتيجة التي يُريدها البيطار من كلّ ما يفعله إذا كان غير قادر على توقيف أي مدّعى عليه، إذ إنّه في حال قرّر إصدار مذكّرات توقيف وجاهيّة أو غيابيّة بحق المدّعى عليهم، فمن سينفّذها إذا بقي الحجّار متمسّكاً بقرارات عويدات التي تفرض على النيابة العامّة التمييزية عدم تسلّم أي مذكّرة من البيطار، خصوصاً أن لا صلاحية لغير النيابة العامّة بذلك؟

ولأن طريق التوقيفات مقفل وبالتالي لا مفاعيل لإحياء التحقيقات، فإنّ النتيجة الفعلية هي «حركة بلا بركة». فيما يرجّح بعض المتابعين القانونيين عدم إصدار البيطار أي مذكّرة توقيف خلال الأشهر التي حدّدها للاستجواب (شباط وآذار ونيسان) حتّى ولو تغيّب المدّعى عليهم، لأن لا قيمة عمليّة لها، وإنّما سيتريّث بانتظار ختم الملف ليقوم بالتوازي بإصدار مذكّرات التوقيف في من يراه متورّطاً، وهذا لن يكون قبل نهاية نيسان المقبل وبداية أيّار.

ويتوقّع هؤلاء أن يستكمل البيطار تحقيقاته (علماً أنّ قراره صار منجزاً تقريباً)، على أن يقوم بختم التحقيق لإحالته إلى النيابة العامّة التمييزية لإصدار مطالعتها في الأساس. وفي حال تمنّعت عن ذلك، فالأرجح أن يقوم البيطار بتصدير قراره الظني إلى المجلس العدلي بعد أن يذكر تعذّر قيام النيابة بمطالعتها. ولأنّ كل ما يفعله البيطار يُعد سوابق لم يجنح إليها أي قاضٍ حالي أو سابق، لا يملك القانونيون رأياً قاطعاً حول صوابيّة هذا المسار، فيما يتمسّك آخرون بأن لا مجال للقفز عن النيابة العامة التمييزية التي تمثّل الحق العام.

«صدفة البيطار» وتوقّعات «القوات»

كلّ ذلك يوحي بأنّ أزمةً تلوح في الأفق إذا تمسّك البيطار بهذا المسار، وإن كان البعض يعتبر أنّ ما يجري هو بإشارات سياسيّة بضرورة فتح ملف المرفأ عبر البيطار تحديداً، إمّا لإشعال فتنة داخليّة أو لاستثمارها في تحقيق مكاسب سياسيّة بعد تشكيل الحكومة والرّهان على حصول متغيّرات في «العدليّة».

في المقابل، يحرص البيطار على عدم ربط قراره بتداعيات الحرب الإسرائيليّة، ويصوّر عودته إلى العمل في الملف على أنّه «صدفة» لا دلالات سياسيّة لها، باعتبار أنّه كان من المفترض أن يضع لائحة بأسماء الأشخاص الذين سيتم استجوابهم، في منتصف أيلول الماضي، عندما وقعت تفجيرات «البيجرز» وتلاها اغتيال الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، ثم اندلاع الحرب على لبنان.

ورغم محاولة البيطار فصل تحقيقاته عن المسار السياسي، يطرح المعنيون في هذا السياق الكثير من الأسئلة التي تدحض روايته، ومن بينها التسريبات حول الملف خلال الحرب عبر «جوقة» تولّت على مواقع التواصل الاجتماعي إشاعة أجواء تُفيد بأن ملف المرفأ سيكون الأوّل الذي سيُفتح بعد انتهاء الحرب، وليس انتهاء بما «أفتى» به النائب جورج عدوان بإشارته إلى أنّ «القرار الظني في ملف المرفأ سيصدر في نيسان». وهي «توقّعات» سُرعان ما تبّينت دقّتها. وعليه، يُصبح السيناريو: إما أنّ «القوات» نصّبت نفسها صاحبة قرار تُملي على البيطار تاريخ ختمه لتحقيقاته، أو على أسوأ تقدير أنّها على تنسيق معه في مجريات تحقيق يُفترض أن يكون سرياً وغير مُسيّس!

المُدّعى عليهم

ادّعى المحقق العدلي في ملف تفجير المرفأ طارق البيطار، أمس، على المدير العام للجمارك ريمون خوري، مدير المخابرات السابق العميد المتقاعد إدمون فاضل، العميد المتقاعد في الجمارك عادل فرنسيس، رئيس مكتب الشؤون القانونية والانضباط السابق في المديرية العامة للأمن العام العميد المتقاعد نجم الأحمدية، المدير السابق لمكتب المعلومات في الأمن العام العميد المتقاعد منح صوايا، العميد المتقاعد في الأمن العام محمّد حسن مقلّد، مدير القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان السابق في الجيش العميد المتقاعد مروان عيد، إضافةً إلى 3 موظّفين في المرفأ، هم أحمد قصابيّة ومروان كعكي وربيع سرور (مسؤول أمن العنبر الرقم 12)، على أن يستمع أيضاً إلى الرئيس السابق للمجلس الأعلى للجمارك العميد أسعد الطفيلي، وعضو المجلس الأعلى للجمارك غراسيا القزي.

وحدّد البيطار مواعيد استجوابهم بين 7 شباط المقبل ونهايته، على أن يُحدّد في المرحلة الثانية مواعيد استدعاء كبار الضبّاط والأمنيين والسياسيين والقضاة، لتكون جلساتهم خلال شهرَي آذار ونيسان.

Exit mobile version