كتبت: رشا النقري
آسيا التي تمثل أكثر من أربعين دولة ومجموعة مذهلة من الحضارات والثقافات بعضها رفضه الغرب تماماً، تتعاون من جديد مع صعود بعضها البعض على المسرح العالمي للعودة إلى مواقعها التاريخية كمراكز اقتصادية والانتقال إلى نظام دولي متعدد الأقطاب يقابله اقتصاد سياسي ناشئ متعدد المراكز التجارية كقاعدة مادية له.
وذلك من خلال معالجة بعض الروابط والفجوات الأضعف في الحوكمة العالمية وتعديل وجهات النظر الشاملة لكل دولة عبر أهم مشروعاً عملياً يضفي الشرعية على نموذج العولمة الشامل دون مشاركة غربية لأن هذا الاتجاه لن تعكسه رغبة بلد لاتزال مُثلها المُعلنة بعيدة كل البعد عن واقعها المحلي من أوليغارشية فاسدة تُدعى الكونغرس الأميركي ونظام اقتصادي مصمم لخدمة جزء صغير من النخبة.
كما تُشكل البريكس مزيجاً من الاقتصادات المتنامية “البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا ” والتي لها دور مهم في الاقتصاد العالمي بسبب عدد سكانها الكبير وتأثيرها المتزايد على الشؤون الدولية وهذا ما يحدث بالفعل مع الصعود السريع للصين أبرز دول المجموعة وثاني أكبر اقتصاد في العالم والنمو المتزايد في الهند التي تهدف لتجاوز ألمانيا واليابان لتصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2028.
ويعد هذا التجمع السياسي من أكبر التكتلات الدولية في العالم يمثل 42 % من سكان العالم و26 % من الناتج المحلي العالمي و18% من الصادرات العالمية وفقاً لتقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الأونكتاد”
كما ذكر مؤخراً أنيل سوكلال سفير جنوب أفريقيا لشؤون آسيا والبريكس إن المجموعة يُنظر إليها على أنها قوة جبارة وإذا تم قياسها من خلال تعادل القوة الشرائية فإنها تمثل الآن 31.7 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي أعلى من نسبة 30.31% لمجموعة السبع.
وبعد أعقاب الأزمة المالية والركود العالمي وعدم الاستقرار الجيوسياسي عبر القارة الأوراسية، برزت بريكس كعامل استقرار ففي عام 2009 أُنشئت الكتلة بأربعة أعضاء ثم انضمت إليها جنوب إفريقياعام 2010 لتكون أول انطلاقة جديدة للتعاون كما تبعتها اجتماعات متكررة رفيعة المستوى ليس من خلال المؤتمرات الرئاسية السنوية فحسب بل أيضاً عبر المشاورات المنتظمة بين رؤساء الخارجية ومستشاري الأمن القومي.
ويمكننا أن نشير الى أهم المساهمات لمجموعة البريكس في العالم
بما أن غالبية اقتصادات العالم ترغب في زيادة مشاركتها في العولمة دون تغيير نظامها السياسي أو ثقافتها أو هويتها الحضارية، دعت دول البريكس إلى تعزيز التعددية وتقوية المؤسسات العالمية في مواجهة الحمائية المتزايدة والضغوطات داخل المؤسسات التي يهيمن عليها الغرب، وسمحت لأعضائها بإبراز أدوارهم الوطنية على المسرح العالمي .
وكان النجاح الأكثر وضوحاً الذي حققته مجموعة البريكس على المستوى الاقتصادي هو تأسيس بنك التنمية الجديد عام 2014 الذي يقوم على فكرة تجميع رأس المال وتوجيهه نحو القطاعات التي كانت تفتقر إلى القدرة الإنتاجية والاستثمار.
ولعبت الصين دوراً مركزياً في هذا التوسع التجاري فالبريكس ناقص الصين محكوم عليها بالفشل فهي تدير فوائض مع جميع شركائها في البريكس ، كما يمكن لروسيا والبرازيل كمصدرين غنيين بالمعادن والسلع والطاقة تعويض التصنيع الصيني الداخلي، أما مشكلة الهند تفتقر للموارد الطبيعية الفائضة لدفع ثمن وارداتها من الصين كما أنها تفتقر إلى عمق التصنيع مع أدنى نسبة من الناتج المحلي الإجمالي للصناعات التحويلية بين الاقتصاديات النامية الرئيسية.
ونظراً لأن جوهر المشكلة يكمن في عدم التناسق في قدرات التصنيع في جانب العرض بين اقتصادات البريكس قدم بنك التنمية “NDB” حلاً بحشد الموارد لمشاريع البنية التحتية المستدامة في البريكس والاقتصادات الناشئة الأخرى.
وهناك أيضاً قضية ملحة لمجموعة بريكس تتحدث عنها بصوت عالٍ وهي الحاجة إلى بنية عالمية مستدامة قادرة على دعم نظام تجاري واستثماري قائم على الاعتماد المتبادل الذي لا يعتمد على عملة واحدة.
إن تأثير دول البريكس في العالم آخذة في الازدياد من الناحية الاقتصادية والسياسية خاصة بعد فتح باب العضوية أمام ست دول جديدة الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية وإيران ومصر وأثيوبيا والأرجنتين في ختام قمتها في جوهانسبرغ ليصبح التكتل اليوم يمثل 64% من سكان العالم وحصة أكبر من ناتجه الاقتصادي مما يمنح آلية تعاون بريكس قوة جديدة وكان هذا الحدث الدبلوماسي الأكثر أهمية لهذا العام.
نهج أميركا تجاه البريكس
لطالما كانت الورقة الرابحة في أيدي الغرب هي الاقتصاد والهيمنة الموروثة للدولار الأميركي والسيطرة على سلاسل التوريد الدولية والقدرة على فرض عقوبات جماعية بشكل تعسفي وعزل بلد ما، عندما حاول الغرب استبعاد روسيا من مجموعة العشرين وخنق اقتصادها بالعقوبات انتقدت مجموعة بريكس بشكل مشترك هذا النهج وسرعان ما حلت الصين والهند والعديد من الاقتصادات النامية الأخرى محل الأسواق الغربية وكان موقفهم هذا يحمي روسيا من العزلة الاقتصادية.
لكن الصدمة الكبيرة الأخرى التي تلقتها مجموعة البريكس هي محاولة الولايات المتحدة تجميد 300 مليار دولار بشكل غير قانوني من احتياطيات العملة الأجنبية الروسية المحتفظ بها في سندات الخزانة الأمريكية
وقد اعترف وزير الخزانة الأميركي مؤخراً قائلاً: “لقد قمنا بمصادرة أصول على هذا النطاق الضيق، ولكن من المؤكد أن هناك تحديات قانونية تحول دون القيام بما هو أكثر من ذلك”.
ومن هذا الضرر الذي تم القيام بهه يتعين على الهند والصين وعشرات الدول الأخرى التي تستثمر بكثافة في سندات الحكومة الأميركية وتحتفظ باحتياطاتها من الذهب في الخارج أن تضع في اعتبارها الآن احتمال تجميد أصولها السيادية أو مصادرتها في ظل سيناريو الأزمة المستقبلية. وكما أشار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في الشهر الماضي، فإن كافة أعضاء مجموعة البريكس هناك رغبة في تطوير الآليات المالية التي تؤمنهم من “تعسف أي لاعب خارجي”. وأوضح أيضًا أن هناك العديد من الأفكار حول كيفية تحقيق ذلك.
فمن الواضح أن معارضة الولايات المتحدة لمثل هذه الهياكل تؤكد مدى عدم صدق الدعوات التي يطلقها صناع السياسة الخارجية في الولايات المتحدة للقوى الصاعدة التي تريد تحمل المسؤولية بشروطها الخاصة بدلاً من قبول القواعد والمعايير التي تصنعها المؤسسات التي تقودها الولايات المتحدة.
أما الآن أثبت مسار بريكس تصميم المجموعة على التماسك على الرغم من اختلاف الأنظمة السياسية والخصائص الاقتصادية والمنافسات الجيوسياسية لكنها تطمح لأن يكون لها دورها في صناعة ورسم معالم السياسة الدولية والتوجه لعالم متعدد الأقطاب بعيد عن الأحادية القطبية.
دول “بريكس”، بما تضمه من إمكانات اقتصادية ومالية وتكنولوجية وقوة بشرية هائلة ورؤية مستقبلية واضحة وبما تمتلكه من آليات وتنوع، لديها القوة والقدرة على قيادة العالم نحو عملية تنموية واسعة ومختلفة وتطوير النظام الاقتصادي العالمي وجعله أكثر “عدلا وإنصافا”.