الاخبار الرئيسيةمقالات

الانقضاض

النهار - زياد شبيب

لا يمكن أن يجد المجتمع الدولي أفضل من الجماعة الحاكمة، قوى سياسية وزعامات، لفرض القرارات المذلة التي يبدو أن فرضها على لبنان مطلوب بالنسبة للخارج قبل السماح له بالمباشرة باستثمار ثرواته الطبيعية.

من متابعة التسلسل الزمني للأحداث في السنوات الماضية يبدو منطقياً أنه كان مطلوباً التوصل إلى عدد من القرارات والتي يبدو حتى الآن انها تشمل رهن لبنان المسبق للمؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين، والتنازل المسبق للعدو عن المساحات والكميات التي “استحلاها” من المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية المتاخمة لمياه فلسطين المحتلة.

لا حاجة للتكرار بأن مسار التفاوض على حقوق لبنان في حدوده البحرية كان تنازلياً منذ البداية، والمتنازلون اليوم يبررون تنازلاتهم الكبيرة الحالية وعدم تجرؤهم على التمسك بالحدود القانونية العائدة للبنان، بأن من سبقوهم في المسؤولية كانت تنازلاتهم أفظع، ما يسمح لهم بتصوير التنازلات الحالية وكأنها انجازات.

أما في العلاقة مع صندوق النقد فأصبح الاتفاق الذي تم التوصل إليه من قبل حكومة تصريف الأعمال الحالية (على مستوى الموظفين) يُصوّر على أنه إنجاز يعطي لمن أنجزوه الحق بالاستمرار في السلطة، بينما المبلغ المتفق على إقراضه للبنان من الصندوق لا يتعدى الثلاثة مليارات دولار وهو مبلغ زهيد مقارنة مع ما تم هدره من الاحتياطات التي كانت لدى المصرف المركزي تحت عنوان الدعم الذي ذهب بمعظمه أرباحاً للمهربين.

قرأنا قبل أيام مقالاً لنائب رئيس الحكومة تحدث عن الاتفاق المذكور ومحاسنه وعن خطة النهوض التي أعتمدتها الحكومة بالتوازي مع الاتفاق. و في تلك الخطة بحسب المقال تشديد على “الحفاظ (إلى أقصى الحدود) على حقوق المودعين وهم الحلقة الأضعف وهم غير مسؤولين عما آلت إليه الأوضاع وما حلَّ بأموالهم.”

حين تقرأ عبارة (إلى أقصى الحدود) تظنّ بأن الدولة لن تمسّ الودائع ولكنك تتأكد لاحقاً أنها تهدف للإيحاء بالحرص من جانب من قرروا الانقضاض على أموال المودعين.

هذا الانقضاض جاء مقروناً بعبارات توهم بعكس ما تقرر، كالقول بأن الخطة توصي “باحترام تراتبية الحقوق والالتزام بها والتي تعني عدم المساس بحقوق المودعين، قبل استنفاذ رأسمال المصارف، وهو يكوِّن خطّ الدفاع الأول عن الودائع”. أي أن المبالغ المنوي تأمينها لردم الفجوة المالية المقدرة بسبعين مليار دولار ستتكون بشكل أساسي من الودائع كما تقول الخطة. وهنا لا بد من القول بأن كل المقاربة المذكورة مخالفة للدستور وأي مشروع قانون تقترحه الحكومة وفيه اقتطاع من هذا النوع المبني على تصنيف المودعين إلى كبار وصغار هو مخالف للمادة 15 من الدستور التي تنص على حماية الملكية أي أن القانون لا يوجد للمس بحق الملكية إنما لحمايته، وتضيف أنه لا يجوز أن ينزع من أحد ملكه إلا للمنفعة العامة ولقاء تعويض عادل، وهو ما ليس متوفراً.

التفكير بالودائع لا يجوز إلا من باب الفوائد التي أنتجتها وهذه فقط يمكن التفكير قانوناً بالتعامل معها كدخلٍ يشكل وعاءً ضريبياً مشروعاً، أما أصل المبالغ فهو محرّم.

يتحدّث المقال أيضاً عن أنه يجب العمل “بجدية مطلقة” من قبل مجلس النواب لاسترداد الأموال المنهوبة… وهذا القول يُظهر بأن الحكومة لم تعلم بأن مجلس النواب قد أقر قانون استعادة الاموال المتأتية عن جرائم #الفساد في 8/4/2021، وبأنها لم تفكر بتطبيقه حتى، على علاته التي تطرقنا إليها سابقاً. وهنا أيضاً نشير إلى أن البداية تكون في تطبيق قانون الإثراء غير المشروع الذي يقوم على مقارنة الذمة المالية للأشخاص الذين تولوا مناصب عامة قبل وبعد خدمتهم. ومن يجرؤ على ذلك يمكنه استعادة الكثير.

زر الذهاب إلى الأعلى