الاتفاق “السعودي ـ الايراني” توجه الرياض نحو “صفر مشاكل”

الديار-كمال ذبيان

الديار-كمال ذبيان

كان لبنان على مدى تاريخه، ينتظر التطورات العربية والاقليمية والدولية، لما لها من تأثير في تركيبته الطائفية، والتوازنات السياسية، والارتباطات التي كان ينسجها زعماء طوائف وقادة احزاب وتيارات، مع مراكز النفوذ في الخارج، والالتحاق بمشاريع دول ومحاور، مما افقد اللبنانيين “قرارهم الوطني المستقل”، بمعنى تحصين الداخل اللبناني من تسلل الخارج اليه، وتوظيف ساحته لصراعات وحروب، دون ان يخرجه من محيطه القومي، ويكون في معركة الوجود مع العدو الصهيوني، الذي منذ ان كانت الصهيونية حركة، وهي لها اطماع في لبنان، ورسمت حدود “دولتها التوراتية” من “الفرات الى النيل”، ولبنان جزء منها، وكانت ثروته المائية في مرمى مطامعها دائماً.
هذه التوطئة، هي للنظر الى اين لبنان في الاتفاق السعودي ـ الايراني برعاية الصين لتجديد العلاقات بين الطرفين، وكل منهما يريدها، ووقف الحروب في المنطقة مباشرة، او بالواسطة، وتعزيز الامن والاستقرار فيها، والاستثمار في نمو المنطقة على كل الصعد، حيث بات للصين دور محوري في العالم، وقطب اساسي تخشاه الولايات المتحدة الاميركية، وقد تمكن من اقامة علاقات سليمة مع العديد من الدول، ليس بعقلية المستعمر بل المستثمر في صناعة عالم جديد، تسقط فيه القطبية الأحادية، التي مثلتها الولايات المتحدة مع انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين مطلع التسعينات من القرن الماضي، واستلحاق اوروبا بالسياسة الاميركية.

فالصين تدخل الى العالم عبر “طريق الحرير”، وهو مشروع اقتصادي، تعمل مع شركاء لها في الدول التي يمر الطريق في برها او مياهها، فكان توغلها في آسيا وافريقيا، وقد ايقنت دول عديدة، ان مصلحتها التوجه شرقاً، فكانت الصين، التي عززت علاقاتها مع دول عربية، فكانت القمم الثلاث التي عقدت في السعودية، فحضرت الصين القمة السعودية ـ الصينية ثم الصينية ـ الخليجية والصينية ـ العربية، حيث كان اعلانا صريحاً من الرياض، انها على “طريق الحرير”، وان اميركا لم تعد الصديق الوحيد لها، بل هي احد الاصدقاء، وفق ما يفسر مصدر سياسي لبناني على علاقة مع السعودية، والذي يشرح التطور الذي يحصل في السياسة السعودية، منذ تولي الامير محمد بن سلمان السلطة، بان الرياض لم تعد تضع كل اوراقها في السلة الاميركية، بل هي تنوّع اسواقها، وتعمل وفق مصلحتها، وتسعى الى الخروج من “الابتزاز الاميركي” لها، وهو ما عبّر عنه الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب عندما قال متوجها الى الملك سلمان “ادفع يا ملك” في تصرف غير لائق ولا اخلاقي، وهو الذي استحصل على اموال من السعودية بالاف مليارات الدولارات.

فتوجه المملكة السياسي الجديد هو “صفر مشاكل”، وهي بدأته مع ايران الدولة التي ومنذ انتصار “الثورة” فيها ضد الشاه واسقاطه ورحيله، فان المملكة ارتابت من الامر، بان تمتد اليها، فبدأ الصراع بين الدولتين، وكانت الحرب العراقية ـ الايرانية ابرزها، وآخرها ما حصل في اليمن، اذ كلفت هذه الحروب خسائر بشرية ومادية سواء في العراق او سوريا او لبنان اضافة الى عمليات امنية في البلدين وتحريك جماعات موالية لهما.

من هنا، فان الصراع السعودي ـ الايراني المباشر او عبر الساحات، انهك البلدين، وهما يسعيان الى اتفاق ينهي سنوات الحرب بينهما، فدخل على الوساطة كل من العراق وسلطنة عُمان، وجاءت الصين لتنجح بعد اربعة ايام من مفاوضات الوفدين السعودي والايراني في التوصل الى اتفاق يعيد العلاقات الديبلوماسية بينهما، ويمنع تدخلهما في شؤونهما كما في دول اخرى، ويؤسس لعلاقات تنموية يتقدم فيها الاقتصاد على الحرب غير المجدية، حيث تكشف مصادر ديبلوماسية، عن ان طهران والرياض ذهبتا الى بكين، ونيات المصالحة موجودة، لان كلا من الدولتين تدفعان الثمن مع الشعوب التي يحصل القتال باسمهما، وكل منهما وفق قراءته لهذا الحدث او ذاك.

فالاتفاق السعودي ـ الايراني ترك ارتياحاً في العالم العربي، كما في الدول الكبرى، ودول اوروبية، وامتعضت منه اميركا التي ترى انفلاتا سعودياً عن سياستها، وهو ما اقلق “اسرائيل”، الذي سبق وخشيت من الاتفاق النووي الايراني عام 2015، وحاولت تجيير دول عربية، لا سيما السعودية ضده بان هذا الاتفاق موجه ضدها، وقد ابتزها ترامب بان علق العمل بالاتفاق من الجانب الاميركي، ليقبض ثمنه من المملكة، ويريح “اسرائيل”، الا ان تحولاً حصل ولم تعد السعودية تخشى “النووي الايراني” الذي لا يستخدم الا للطاقة، وهذا ما سرّع في عقد الاتفاق السعودي ـ الايراني.


اما ما هو تأثير تجديد العلاقة السعودية ـ الايرانية في لبنان، فسيظهر في استحقاق رئاسة الجمهورية، لجهة اعتباره شأناً داخلياً، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، بان قال ان الانتخابات الرئاسية، هي شأن لبناني ـ لبناني، وهو ما اكد عليه الامين العام “لحزب الله” السيد حسن نصرالله، الذي اثنى على الاتفاق بين طهران والرياض، لكنه لن يغير من موضوع الرئاسة الاولى، دون رفض اي مساعدة خارجية، تسهّل الحل في لبنان، وبذلك يكون الاتفاق السعودي ـ الايراني، قد حرّر الاطراف اللبنانية من صناعة الرئيس من الخارج، لجهة اللجوء الى التنافس او الحوار والتوافق، بما يطرح السؤال: هل تكون صناعة رئيس الجمهورية لبنانية بعد الاتفاق الذي قد يسهّل الانتخاب؟

Exit mobile version