الاتفاقية الاستراتيجية بين إيران وروسيا: الأهمية والضرورات
كتب سمير باكير:
في الأيام الأخيرة، ومع استمرار الإبادة الجماعية في غزة على يد الكيان الصهيوني، وحرائق لوس أنجلوس وعجز الحكومة الأمريكية عن السيطرة عليها، تصدرت وسائل الإعلام العالمية خطوة إيران وروسيا نحو توقيع اتفاقية استراتيجية.
الرئيس الإيراني الدكتور مسعود پزشکیان، سيقوم بزيارة رسمية إلى موسكو. هذه الزيارة، إلى جانب استمرار الدبلوماسية الإقليمية لتطوير العلاقات مع الجيران، تحظى بأهمية كبيرة من زاوية أخرى، وهي توقيع اتفاقية استراتيجية مدتها 20 عامًا بين البلدين. في ظل التغيرات في المعادلات الإقليمية والدولية، والتحولات في إمكانيات البلدين، فإن التوجه نحو اتفاق جديد قائم على الظروف الراهنة يعتبر خطوة عقلانية لتحقيق مصالح الطرفين.
وبحسب التقارير المنشورة، فإن هذه الاتفاقية تشمل عشرات المجالات التي يمكن أن تؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين.
أهمية التغيير في المعادلات الإقليمية والدولية
النظرة إلى المعادلات الإقليمية والدولية تظهر أن الهيمنة الغربية ونقض وعودهم تجاه الدول، تفرض ضرورة تغيير المعادلات الإقليمية والدولية، والتي تتمثل أساسًا في تطوير العلاقات الشاملة بين الجيران وإنشاء قدرات إقليمية بعيدة عن التبعية للوعود الغربية الفارغة.
على جانب من المعادلة، هناك الدول الأوروبية التي أظهرت مواقفها في المعادلات الاقتصادية، السياسية والعسكرية، من حرب أوكرانيا إلى فرض العقوبات ودعمها الشامل للكيان الصهيوني، أنها لا تلعب دورًا مستقلاً بل تعمل تحت راية الولايات المتحدة. وبالتالي، فإن الاعتماد على الوعود والعلاقات مع أوروبا لتحسين الظروف الاقتصادية ولعب دور عالمي يعد تصورًا خاطئًا، كما ظهر في موقف الأوروبيين من الاتفاق النووي (برجام) حيث لم ينفذوا حتى آلية إنستكس المالية بسبب الضغوط الأمريكية.
فيما يتعلق بروسيا، فإن الأوروبيين رغم توقيعهم اتفاقية مينسك مع موسكو، نقضوا العهد وأشعلوا حرب أوكرانيا ضد وحدة الأراضي الروسية.
الولايات المتحدة وسياسة الهيمنة
على الجانب الآخر، الولايات المتحدة، بدءًا من بايدن إلى ترامب، لم تظهر أي التزام بالعلاقات المتساوية والعادلة، بل كان نهجها استعماريًا تسلطيًا، ولا تعترف بأي استقلالية للدول الأخرى. لا تزال أمريكا غارقة في وهم الهيمنة العالمية، وترفض التغييرات في النظام الدولي، وتسعى باستخدام التهديدات والعقوبات وحتى الخيارات العسكرية إلى فرض إرادتها.
النظام الدولي، من الأمم المتحدة إلى مؤسساتها التابعة، أثبت أنه فاقد للاستقلالية وأصبح أداة بيد القوى المهيمنة، كما يظهر في عدم اتخاذ أي إجراء ضد الإبادة الجماعية في غزة رغم مرور ستة عشر شهرًا.
أهمية الاتفاقية الاستراتيجية بين إيران وروسيا
في ظل هذه الظروف، يصبح توجه الدول المجاورة نحو تعزيز العلاقات الاستراتيجية وتوسيعها إقليميًا عنصرًا مهمًا لمواجهة الوضع الراهن. بلا شك، إيران وروسيا، كجارتين قديمتين تواجهان تحديات وتهديدات مشتركة وأهدافًا واحدة لمواجهة الهيمنة الغربية، تحتاجان إلى تطوير العلاقات الشاملة بناءً على استراتيجية مدروسة وطويلة الأمد، لا تتأثر بتغير الحكومات.
الاتفاقية الاستراتيجية بين طهران وموسكو يمكن أن تكون نقطة تحول لتحقيق هذا الهدف، حيث سيتم توقيعها خلال زيارة الرئيس الإيراني إلى موسكو. هذه الاتفاقية يمكن أن تكون عنصرًا أساسيًا في تعزيز دور البلدين في منظمتي شنغهاي وبريكس، مما يحقق مكاسب اقتصادية ملموسة. كما ستغير هذه الاتفاقية المعادلات الإقليمية والدولية، حيث إن محاولات الإعلام الغربي للتقليل من شأنها دليل على أهميتها وقدرتها على تعزيز دور طهران وموسكو عالميًا.
تجدر الإشارة إلى أن توقيع الاتفاقية الاستراتيجية لمدة 25 عامًا بين إيران والصين يشكل حلقة مكملة لهذا النهج العقلاني بين القوى المناهضة للهيمنة. والأهم أن هذه الاتفاقيات ليست موجهة ضد أي دولة ثالثة، بل تهدف إلى تعزيز التعاون بين الجارتين ومواجهة السلوكيات الغربية المزعزعة، ما يمكن أن يكون نموذجًا لبقية الدول المستقلة لتحقيق علاقات عادلة في النظام الدولي.