كتبت ابتسام شديد في “الديار”:
من خارج سياق الأحداث، أتت زيارة النائب هادي ابو الحسن المفاجئة الى معراب، بعد فترة من الفتور بين الحزب “التقدمي الإشتراكي” وحزب “القوات” على خلفية الملفات الخلافية، والتي استدعت مرات كثيرة تراشقا بالاتهامات بين المقرين. فالتوتر بلغ مداه بين وليد جنبلاط وسمير جعجع منذ الافتراق في الخيار الرئاسي الى حرب غزة فجبهة الجنوب، مما اضطر جنبلاط الذي طرح مرشحا يشبه الياس سركيس قبل فترة للتوضيح بالقول “له سياسته ولي سياستي”، ليحسم الجدل والتبصير في شؤون وشجون العلاقة بينهما. من هنا تتوقف مصادر سياسية عند أهمية الزيارة الإشتراكية الى معراب بعد فترة من الجفاء السياسي بينهما .
الزيارة لافتة في الشكل والمضمون والتوقيت، تقول المصادر، فالنائب “الإشتراكي” عن قضاء بعبدا هادي ابو الحسن، من النواب الدروز الأكثر ديناميكية وحضورا على مستوى الجبل، وعلى مسافة آمنة ومقبول من كل الأطراف، ومن الطبيعي ان يكون للخطوة علاقة بأمور أساسية لمنطقة الجبل. اما بالنسبة الى التوقيت السياسي، تضيف المصادر، فليس عاديا لجنبلاط الذي اختار التموضع الى جانب المقاومة، ان يعيد وصل علاقته مع “القوات” الذي يعتبر الطرف الأكثر إعتراضا على حرب الإسناد والمشاغلة وفتح جبهة الجنوب.
مع ذلك، تضع مصادر مقربة من “الاشتراكي” الزيارة في الإطار العادي والانفتاحي على جميع القوى السياسية، موضحة ان لا قطيعة بالأساس مع “القوات”، فالتواصل قائم بين النواب من الطرفين. ولا تهدف الزيارة إقناع اي طرف بموقف سياسي والزامه بخيارات معينة، فالمقاربة متناقضة جدا في شأن حرب غزة والجبهة الجنوبية، وجنبلاط اتخذ خياره التضامني مع القضية الفلسطينية، وهو في علاقة وطيدة جدا وتقارب مع حزب الله، تحسبا لتطورات مفاجئة في حال توسعت المواجهة الى الحرب الشاملة.
واللافت في كلام أبو الحسن بعد لقائه جعجع قوله “أن النقاش تركّز على ضرورة الحفاظ على أفضل العلاقات على مستوى المناطق، وخصوصاً في منطقة المتن الأعلى وقراها”. وشدد على أنه “في السياسة لكل منا رأيه وتطلعاته وحساباته، ولكن يجمعنا الهم الوطني، ويبقى المشترك العميق بيننا هو مصالحة الجبل، وهي في أيدٍ أمينة ومستمرّة وثابتة ولا يشوبها شائبة”. واكد ان “العلاقات في الجبل مستمرّة بشكل إيجابي، ونتطلع دائماً إلى الحفاظ عليها وتطويرها”.
هذا، واكدت المصادر ان جنبلاط أثبت تمايزه عن السياسيين بدعمه المطلق للمقاومة، وأكثر من ذلك اعلن الاستنفار في الجبل لمواكبة جبهة الجنوب، بما فيها استقبال النازحين في مناطق الجبل. وقد لاقت مواقفه من القضية الفلسطينية والمقاومة تفاعلات إيجابية في بيئة حزب الله، الأمر الذي لم يعجب فريق المعارضة، خصوصا ان تكتل “اللقاء الديموقراطي” كان يتناغم في المرحلة الماضية مع المعارضة، ويرفض مرشح الرئاسي الذي سماه “الثنائي الشيعي” وكان داعما لمرشح المعارضة، الا ان التمايز بدأ مع تأييد “الإشتراكي” لخطوة التلاقي للحوار، بخلاف “القوات” التي رفضت مع المعارضة الحوار بشروط.
واشارت المصادر الى ان الموقف الجنبلاطي ثابت من ٧ أكتوبر بعدم تأييد الانخراط في الحرب ودعم حزب الله في حال وقعت الحرب، لكن أولوية جنبلاط اليوم تحصين الساحة الداخلية على مفترق خطر وجودي كبير يفترض إجراء تنازلات معينة، فحرب غزة فرضت معادلات مختلفة تقتضي رص الجبهة الداخلية وتعزيز التفاهمات الداخلية. واكدت المصادر ان الموقف “الإشتراكي” يتماشى مع المتغيرات والرأي العام العربي، بالقناعة ان ما بعد ٧ تشرين لا يشبه ما قبله من تحولات .
اذا كانت حرب غزة أعادت وصل ما انقطع من خطوط تعرضت للتلف بين حزب الله و”الاشتراكي” فعاد جنبلاط صديقا الى الضاحية، إلا ان جنبلاط لن يعزل نفسه تقول المصادر نفسها، وسيواصل الانفتاح على الجميع، من هنا أتى التواصل مع معراب وسيليه خطوات أخرى ايضا.