كتب عمر البردان في “اللواء”:
في الوقت الذي يعيش الكيان الإسرائيلي حالة انعدام وزن غير مسبوق، وقلق متصاعد على مختلف الأصعدة، بسبب تهديدات “حزب الله” بالانتقام لاغتيال رئيس أركانه القائد فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية، فإن الخشية الداخلية بدت واضحة على وجوه اللبنانيين من انفلات الأوضاع على نحو خطير، في حال اتساع نطاق المواجهات بين “الحزب” وإسرائيل، في حال قادت الردود والردود المضادة إلى حرب واسعة النطاق، يمكن أن تأخذ معها كل شيء، في وقت لم يغب الطيران الحربي الإسرائيلي عن سماء بيروت وضواحيها، خارقاً وبقوة جدار الصوت أكثر من مرة، في رسائل واضحة ل”حزب الله” من أن الآتي أعظم، إذا ما أقدم الأخير على ضرب إسرائيل، انتقاماً لمقتل قائده شكر ، مع ما لذلك من انعكاسات بالغة الخطورة على البلدين . وهو أمر بدت مؤشراته جلية في دعوات الدول مواطنيها لمغادرة لبنان على وجه السرعة، فيما بدأت دول استعدادات ميدانية لإجلاء رعاياها من لبنان . وهذا ما أثار مخاوف جدية لدى المسؤولين اللبنانيين، مما ينتظر لبنان، في حال ساءت الأمور على نحو دراماتيكي ، وأصبح لا مفر من حصول حرب قد تشمل الإقليم برمته .
وفي حين عكس تعيين يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحركة “حماس” بالإجماع، خلفاً للشهيد هنية، توجهاً فلسطينياً لتصعيد المواجهات الدائرة مع الاحتلال في غزة، وسط قراءات متشائمة لمسار التطورات في القطاع ، وفيما تستمر جبهة لبنان على عصفها المتصاعد، قصفاً وتدميراً من جانب جيش الاحتلال ضد القرى والبلدات اللبنانية، لا يخفي الوسطاء الدوليون قلقهم من تطورات غير محسوبة قد تشهدها الجبهة اللبنانية، تتجاوز القدرة عن ثني إسرائيل عن مهاجمة لبنان، في حال رد “حزب الله” على اغتيال شكر . وإذا ما جاء الرد الإيراني على اغتيال هنية واسعاً ومؤثراً، ما سيضع المنطقة أمام مشهد متفجر، سيقلب الأمور رأساً على عقب .
ورغم الجهود الدبلوماسية التي يقوم بها لبنان، لحمايته من أي عدوان إسرائيلي، إلا أن المؤشرات لا تحمل على التفاؤل بإمكانية نجاح لبنان في جهوده، حيث أن الموفدين الدوليين يحذرون حكومة تصريف الاعمال من مغبة تداعيات رد “الحزب” على إسرائيل، دون الأخذ بعين الاعتبار أن الاحتلال هو من اعتدى على الضاحية الجنوبية، باغتياله شكر وقتله أبرياء . وإذ يحاول المسؤولون وضع الزوار الأجانب في أجواء هذه الوقائع، إلا أن هؤلاء يحاولون تبني وجهة النظر الإسرائيلية، وتالياً تحميل بيروت مسؤولية أي خروج للوضع عن السيطرة، وكأنهم يحملون معهم رسائل إسرائيلية بما ينتظر لبنان، إذا تجاوز “الحزب” الخطوط الحمر . لكن الجواب الذي سمعه هؤلاء الزوار، على ما أكدته ل”اللواء” مصادر وزارية، هو أن لبنان الذي يرفض الحرب ولا يسعى إليها، لن يقف مكتوف الأيدي، في حال تعرض لأي اعتداء إسرائيلي، وإنما سيقف صفاً واحداً بجميع مكوناته وطوائفه، في مواجهة الاحتلال دفاعاً عن كرامة شعبه وسيادة أراضيه . وهذا ما على إسرائيل أن تأخذه بعين الاعتبار قبل القيام بأي مغامرة غير محسوبة العواقب ضد لبنان .
وقد أكدت في هذا الخصوص أوساط متابعة أن عدم قيام طهران بالرد على جريمة اغتيال هنية، يجعل إسرائيل تتمادى أكثر في استهدافها لإيران وجماعاتها في المنطقة، ما يشجعها على المزيد من عمليات الاغتيال . وبالتالي فإن طهران ستجد نفسها أمام حتمية الرد على إسرائيل، إلى جانب حلفائها في المنطقة، من لبنان إلى اليمن، مروراً بسورية والعراق . وأشارت الأوساط إلى أن إسرائيل يبدو أنها مصممة على استكمال تنفيذ مخططات الاغتيال المتدحرجة، في ظل اللامبالاة الدولية، مع ما يستتبع ذلك من إمكانية القيام بعمل عسكري واسع ضد لبنان، سيما وأن إسرائيل عازمة على إبعاد حزب الله عن حدودها الشمالية، وتحديداً إلى شمال منطقة الليطاني . لكن دون التبصر بعواقب هذه الخطوة التي قد تقود إلى تمدد الصراع بشكل كبير .
ويسود الاعتقاد لدى القيادة الإسرائيلية، نقلاً عن أجواء الموفدين الدوليين الذين زاروا بيروت، أنه لا مفر من حرب مع “حزب الله” ، بعدما تجاوزت المواجهات كل الخطوط الحمراء، بحيث أن صواريخه قد أحكمت قبضتها على كامل منطقة الشمال، وصولًا إلى العمق الإسرائيلي، ما أدى إلى تهجير جميع سكان المستوطنات . وبالتالي فإن تأمين عودة هؤلاء، لا يمكن أن يتحقق، إلا من خلال حرب شاملة، تبعد خطر “حزب الله” . ويكشف الموفدون، أن رفع سقف التهديدات بين “حزب الله” وإسرائيل، وتجاوز حدة المواجهات الخطوط الحمراء، سيعجل باندلاع حرب واسعة، في حال لم تنجح الوساطات الخارجية في لجم حدة التدهور، مشيرين إلى أن الأمم المتحدة باتت على قناعة أكثر من أي وقت مضى، بأن الأمور مرشحة للانفجار في أي لحظة، على وقع تسارع التطورات على نحو بالغ الخطورة، دون التكهن بالتداعيات المحتملة .
إلى ذلك، ومع غياب المؤشرات بقرب إيجاد حل للمأزق الرئاسي العالق، اعتبرت مصادر المعارضة أن المواقف الأخيرة للبطريرك بشارة الراعي، موجهة للفريق الذي يعطل الانتخابات الرئاسية ، إذا لم يضمن انتخاب سليمان فرنجية رئيساً، مشددة على أن الثنائي الشيعي ورغم أنه يدرك تماماً، أن باب الحل للأزمة الرئاسية، لن يكون إلا بالتوجه نحو الخيار الثالث، لازال مصراً على التعطيل وتدمير مؤسسات الدولة، دون الأخذ بعين الاعتبار لمصالح البلد والناس . بعدما برز بوضوح ونتيجة جهود “الخماسية”، أن المرشح التوافقي بات الأكثر ترجيحاً، وهذا ما باتت جميع الأطراف اللبنانية على قناعة به” . وأشارت إلى أن “استمرار ربط الملف الرئاسي بتطورات المنطقة، أمر لا يفيد اللبنانيين ولا بد من اقتناص الفرصة، من أجل التوافق على إجراء الانتخابات في وقت قريب، وتالياً طي صفحة الشغور الرئاسي الذي بات يشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل اللبنانيين.