كتبت دوللي بشعلاني في “الديار”:
وصل الجنرالان الأميركي جاسبر جيفرز والفرنسي غيوم بونشان الى بيروت، وقاما بزيارات عدّة للمسؤولين اللبنانيين، بهدف بدء مهامهما بالإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب الى جانب اللجنة الثلاثية، التي تتألّف من لبنان، وقد اختار الجيش اللبناني العميد إدغار لاوندس، قائد قطاع جنوب الليطاني ليُمثّل لبنان فيها، و “اليونيفيل” و”إسرائيل”. ومع تأخّر تشكيل هذه الآلية وبدء أول اجتماعاتها يوم الثلاثاء المقبل (أي بعد أسبوعين من دخول الإتفاق حيّز التنفيذ، في حين كان يُفترض أن تُشكّل قبله) استكملت “اسرائيل” تعدياتها وخروقاتها للاتفاق، وقد قامت الخميس بعملية جرف قرب بركة النقّار جنوب بلدة شبعا ووضعت ساتراً ترابياً، رغم دخول الجيش اللبناني الى بلدة شبعا، وعدم تمكّنه من الوصول الى موقعه السابق هناك، بسبب وجود القوّة “الإسرائيلية” في المنطقة.
علماً بأنّ اتفاق وقف النار ينصّ على انسحاب القوّات “الإسرائيلية” من الأراضي اللبنانية التي دخلت اليها (حديثاً)، على أن يحلّ محلّها الجيش اللبناني. فهل ستتمكّن آلية الإشراف من لجم “إسرائيل” التي تستكمل خروقاتها للاتفاق، كما للقرار 1701، رغم إصرار الدولتين المنضمّتين الى اللجنة الثلاثية، أي الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا على ضرورة احترامهما والالتزام بهما من كلّ الأطراف المعنية؟
مصادر سياسية مطّلعة تحدّثت عن أنّ فرنسا التي تعمل عن طريق الجنرال بونشان الذي وصل الى بيروت أخيراً، على مشاركة الولايات المتحدة الأميركية في آلية الإشراف على اتفاق وقف النار، الذي دخل حيّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني الفائت، الى جانب اللجنة الثلاثية، وتريد أن يتمّ الالتزام بشكل جدّي بهذا الاتفاق. وهو، من وجهة نظرها، ليس اتفاقاً لمدّة 60 يوماً، إنّما يجب أن يكون طويل الأجل ويدوم لسنوات لا بل لعقود بين حزب الله والعدو “الاسرائيلي”. لهذا سوف تُشدّد على ضرورة عدم نسفه، مع علمها بأنّه جرى خرقه مرّات عديدة، لا سيما من قبل “إسرائيل” حتى الآن. ولكن بمجرد بدء اجتماعاتها يوم الثلاثاء المقبل، والاتفاق على خطة العمل، ستضع حدّاً لكلّ الخروقات التي تلت دخول الإتفاق حيّز التنفيذ.
وإذ وزّعت السفارة الفرنسية بياناً صحافياً، فور وصول بونشان الى بيروت، جاء فيه أنّ اتفاق وقف إطلاق النار “يُجسّد ثمرة الجهود الديبلوماسية التي بذلتها فرنسا لمدّة أشهر طويلة مع الولايات المتحدة (التي تترأس آلية الإشراف على الإتفاق)”، داعية “جميع الأطراف الى احترامه، على الأجل الطويل ووضع حدّ لأي عمل من شأنه تهديده”، تؤكّد المصادر على أنّ فرنسا تريد استعادة دورها في لبنان، كأمّ حنون للبنان واللبنانيين، إنطلاقاً من مساهمتها في قوّات “اليونيفيل” العاملة في جنوب لبنان بـ 810 جنود فرنسيين، من ضمن 48 دولة (لا تضمّ الولايات المتحدة الأميركية) مشاركة فيها بما مجموعه 10.150 جندياً لحفظ السلام. ولهذا هي لن توافق على مواصلة “إسرائيل” لخروقاتها، أو تعدّيها على السيادة اللبنانية، أو الأراضي اللبنانية.
كذلك، فإنّه سبق لفرنسا أن حدّدت مع بريطانيا في العام 1923 الحدود الدولية للبنان، وهي تريد اليوم من خلال تطبيق القرار 1701، إعادة تثبيت هذه الحدود في وقت لاحق مع بدء تنفيذ بنود القرار المذكور، وقيام الجيش اللبناني باستلام مواقعه في المنطقة الجنوبية، وتطبيق بند انسحاب القوّات “الإسرائيلية” من المناطق التي دخلت اليها أخيراً، كما من الأراضي اللبنانية المحتلّة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر. كما يهمّها عودة الأمن والإستقرار الى المنطقة الحدودية في أسرع وقت ممكن، لكي تعود الشركات النفطية للاستثمار في البلوكات البحرية التابعة للبنان، ومن ضمنها الشركات الفرنسية. وقد كان للكونسورتيوم الذي ترأسته “توتال إنرجي” الفرنسية تجربة في عملية التنقيب عن الغاز والنفط في البلوكين 4 و9، وإن لم تتمكّن من الوصول الى مكتشفات تجارية فيهما.
ولن يوافق لبنان بالتالي، مدعوماً من فرنسا، على ترك البتّ بمسألة المزارع الى سنوات لاحقة، على ما تلفت المصادر السياسية، على غرار ما جرى بعد صدور القرار 1701 في 11 آب 2006، إذ كان يُفترض أن يعطي الأمين العام للأمم المتحدة مقترحاً بشأنها في غضون 30 يوماً من تاريخ صدور القرار المذكور. غير أنّ هذا الأمر لم يحصل، لا في حينه ولا طوال السنوات الماضية. الأمر الذي جعل “مشكلة” مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والنخيلة والغجر تتأجّل حتى يومنا هذا، وجعل هذا الطرف أو ذاك يجادل في مسألة “أصل” هذه المزارع، وإذا ما كانت لبنانية أم لا. علماً بأنّ كلّ الإتفاقات والمعاهدات والخرائط الدولية تؤكّد لبنانية مزارع شبعا. ولا يلزم الأمر لتثبيتها ضمن الحدود الدولية النهائية للبنان سوى بعض الجهود الديبلوماسية من قبل الدولة اللبنانية، لتأكيد لبنانيتها لدى الأمم المتحدة التي تودع لديها أساساً كلّ الوثائق والخرائط ذات الصلة.
كما ستعمل فرنسا، على ما أشارت المصادر، لدعم لبنان من أجل الإسهام في نهوض القوّات المسلّحة اللبنانية ونشرها في جنوب لبنان، كون الجيش يحتاج الى دعم وتمويل لكي يتمكّن من نشر 10 آلاف جندي في جنوب لبنان. والتمويل غير متوافر اليوم،ولا تستطيع الدولة اللبنانية تحمّل كلفته بمفردها. الأمر الذي سيجعل دعم فرنسا لتعزيز قدرات المؤسسة العسكرية، يشجّع الدول الأخرى على المساهمة في دعم القوّات المسلّحة في لبنان، لتتمكّن الدولة من بسط سيطرتها على كامل أراضيها.
وإذا كانت آلية الإشراف ستضمن متابعة تنفيذ وقف إطلاق النار، بالتعاون الوثيق مع الجيش اللبناني والجيش “الإسرائيلي” وقوّات “اليونيفيل”، فأي جهة ستقول “الأمر لي” في المنطقة الجنوبية خلال المرحلة المقبلة؟ تُجيب المصادر، بأنّ الجيش اللبناني هو الذي سيُمسك زمام الأمور في الجنوب وعند الحدود. وبالطبع فالأمر له كونه هو جيش البلاد، وليس آلية الإشراف، أو الجيش “الإسرائيلي” الذي يُحاول اليوم فرض قواعد إشتباك جديدة، تتناقض مع ما ينصّ عليه اتفاق وقف النار. وهذا الأخير واضح في ما ينصّ عليه الإتفاق والقرار 1701 لجهة أنّ “القوّات الأمنية والعسكرية اللبنانية ستكون الوحيدة المخوّلة حمل السلاح في منطقة جنوبي الليطاني و تنفيذ العمليات”. في الوقت الذي تعمل آلية الإشراف على مراقبة الإلتزامات التي يحدّدها الاتفاق لكلّ من الأطراف المعنية والتحقّق منها، والمساعدة في ضمان تنفيذها. ولكن يبقى السؤال: من سيؤمّن التمويل الكافي للجيش اللبناني ومتى، وألا يجب حصول هذا الأمر قبل إعادة انتشاره في المنطقة الجنوبية؟!