كتب نذار نمر في “الأخبار”:
مع استكمال العدوّ سلسلة هجماته العدوانية التي بدأها مساء الثلاثاء باغتياله القائد في «حزب الله» فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية، مروراً باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» الشهيد إسماعيل هنية في طهران، لم يُتَح للقنوات وصفحات مواقع التواصل التقاط أنفاسها. فلا تكون التفاعلات انتهت بعد من خبر حتّى يأتي الثاني، والثالث، ويتّصل المستجدّ بالعاجل. وبغضّ النظر عن بعض مَن اعتادوا التهويل أو ترديد سردية العدوّ أو كلَيهما معاً، كان الجوّ العام على منصّات التواصل الاجتماعي مشحوناً بالغضب الجماهيري العربي، وامتزجت آراء جزء يسير من الناشطين العرب إزاء استهداف العدوّ دول المنطقة وقادة المقاومة ونسف مفاوضات السلام من أساسها، فتوحّدوا على اختلاف آرائهم ومذاهبهم، وتصدّر هاشتاغ «الردّ آت» منصّة X (تويتر سابقاً).
على أنّ الأكثر لفتاً للانتباه كان الاحتفاء الصهيوني بالجرائم من الضاحية إلى طهران إلى دمشق فغزّة، حتّى من حسابات وهمية في جيش العدوّ الإلكتروني دأبت في الأشهر الماضية على نقل بروباغندا العدوّ، محاولةً تلميع صورته. تحوّلت هذه الحسابات، الحقيقية والوهمية، من التضليل ومحاولة إقناع العالم بأنّ كيان الاحتلال «دولة ديموقراطية تدافع عن نفسها» بوجه «الإرهابيّين قاطعي الرؤوس» عبر «جيشها الإنساني»، إلى المجاهرة بالاعتراف بالجرائم باعتبارها «ردّاً» على «أعداء إسرائيل» و«تلقينهم درساً». فجأة، أسقط الصهاينة القناع بأنفسهم، وتخلّوا عن لعب دور الضحية لمصلحة الاستكبار الذي يعود أساساً إلى تضخيمهم من شأن الانتصارات الوهمية، وهي ناجمة عن جهلهم بطرق عمل أعدائهم الذين أثبتوا ويثبتون أنّ الاغتيالات لا تزيدهم إلّا إصراراً على المقاومة.
من جانب آخر، أكملت القنوات اللبنانية حملة التهويل على صفحاتها الافتراضية، فاستمرّت في نقل الأخبار على لسان قادة العدوّ من دون إعارة أيّ اعتبار للتأثير السلبي المتزايد لتصرّف مماثل. كما استمرّت mtv في نقل سردية «توارد الأفكار» مع العدوّ، فبدا وكأنّها «تنتقم» بعد طردها من محيط الغارة التي ضربت الضاحية مساء الثلاثاء بسبب تغطيتها المنحازة. وكانت قد أعلنت عن عزمها رفع دعوى بشأنه، متهكّمةً بأنّها هي التي «تمنع تحرير القدس»! مثل الولد الأناني الذي «أخذ على خاطره»، ارتأت القناة الدخول في «نكايات» جانبية تافهة في لحظة حاسمة وظروف حسّاسة ليس بالنسبة إلى لبنان أو المنطقة فقط، بل عالميّاً أيضاً.
وأتت مقدّمة mtv مساء الثلاثاء كما يلي: «ضربتان إسرائيليّتان نوعيّتان ومتتابعتان شكّلتا ردّ تلّ أبيب على حادثة مجدل شمس. ففي أقلّ من سبع ساعات، ضربت إسرائيل الضاحية الجنوبية وطهران. وفي أقلّ من سبع ساعات أيضاً، استهدفت إسرائيل الرجل العسكري الأوّل في «حزب الله» فؤاد شكر، والرجل السياسي الأوّل في حركة «حماس» إسماعيل هنية. الاستهدافان وجّها رسائل بالجملة إلى فريق الممانعة، أبرزها أنّ إيران والضاحية الجنوبية لبيروت مخترقتان أمنيّاً، وأنّ في إمكان إسرائيل توجيه ضربات نوعية فيهما عند الحاجة. في المقابل، إيران و«حزب الله» لا يمكنهما السكوت عمّا حصل. فطهران توعّدت بالثأر لاغتيال هنية، معلنةً أنّ ردّها سيكون قاسياً وموجعاً، وقد رفعت العلم الأحمر أو علم الثأر فوق قبّة أحد المساجد في قم، وهو الموقف نفسه الذي سيلتزمه الحزب متى تخطّى مرحلة الصمت. ولا شكّ في أنّ ردّ فريق الممانعة، إذا ما كان قويّاً، سيجرّ ردّاً إسرائيليّاً مقابلاً، ما يفتح الوضع في المنطقة على كلّ الاحتمالات الخطرة. فهل ما حصل من مجدل شمس إلى الضاحية الجنوبية وصولاً الى طهران سيؤدّي إلى حرب مفتوحة كما يتوقّع كثيرون؟ أم أنّه مقدّمة لا بدّ منها لتسوية واقعية تعيد ضبط الأمور في منطقة تعيش تفجّرات مجنونة منذ السابع من تشرين الأوّل الفائت؟». هذه المقدّمة كانت كفيلة بتعريض القناة للتعليقات المنتقدة ولا سيّما على X، كان أحدها من حساب «دقيق» الذي فنّد ما ورد في سطورها: «تبنّوا السردية الإسرائيلية فوضعوا الاعتداء على الضاحية في إطار الردّ على حادثة مجدل شمس». وأضاف أنّ فيها «تظهير قوّة إسرائيل (ضربة نوعية، استهدفت الرجل الأوّل في الضاحية وإيران خلال 7 ساعات فقط، الاختراق الأمني)»، مكملاً بالإشارة إلى إيحائها بأنّ «ردّ الممانعة هو الذي سيجرّنا إلى حرب وليس ضربة إسرائيل»، وصولاً حتّى إلى ما سمّاه «الدهشة من «إنجازات» الإسرائيلي (مفاجأة! من كان يتوقّع أن تضرب إسرائيل الضاحية؟!).
استمرّت mtv في نقل سردية «توارد الأفكار» مع العدوّ، فيما تعرّضت صحيفة «النهار» للنقد الشديد
من جهتها، تعرّضت صحيفة «النهار» للنقد بسبب نشرها رسماً بيانيّاً حول ما سمّته «حصيلة القتلى منذ بدء تبادل القصف في 8 أكتوبر 2023»، واضعةً قتلى العدوّ والشهداء في لبنان من مدنيّين ومقاومين في السلّة نفسها. فوق ذلك، لم تورد الصحيفة في خسائر العدوّ أكثر من «22 عسكرياً و24 مدنيّاً» وفقاً لما ادّعت، متجاهلةً كلّ المقاطع التي نشرتها المقاومة في الأشهر العشرة الماضية التي تؤكّد أنّ عدد الجنود القتلى أكثر من ذلك بكثير! لكنّ علامات الاستفهام حول أرقام الصحيفة تزول مع إلقاء نظرة على مصادرها، وهو ما يضع الكرزة على قالب الحلوى. تورد «النهار» في أسفل البيان العبارة الآتية: «المصادر: السلطات الإسرائيلية»! هكذا، تأخذ الصحيفة بأرقام العدوّ على أنّها موثوق بها، وتنشرها وتكمل كأنّ شيئاً لم يكن! في المقابل، أوردت أنّ عدد الشهداء في لبنان وصل إلى أكثر من 500، مستندةً إلى «حصيلة أعدّتها وكالة فرانس برس».
أمّا الإعلام الغربي فأكمل محاولته تصنيع القبول الجماهيري لأيّ حرب قد يخوضها كيان الاحتلال ومن ورائه ربيبه الأميركي، ولاقته في منتصف الطريق قنوات خليجية لم تتوقّف عن بثّ الشائعات والتحريض على حركات المقاومة بتاتاً، ولا سيّما «العربية» و«سكاي نيوز عربية». أمّا «الجزيرة» القطرية، فانشغلت بتغطيتها لاستشهاد مراسلها إسماعيل الغول ومصوّره رامي الريفي والطفل خالد سائد الشوا بقصف إسرائيلي استهدفهم في مدينة غزّة أثناء تصوير الغول والريفي تقريراً قرب منزل الشهيد إسماعيل هنية، الذي طغت أخباره على عناوين القناة أيضاً. في السياق، برزت على منصّات التواصل منشورات تنعى «الإسماعيلَين»، معتبرةً أنّهما «في طريقهما إلى الجنان».