| رندلى جبور |
بعيداً من التطورات العسكرية، والمعاني السياسية، والانعكاسات الاستراتيجية لما يحصل على الاراضي الفلسطينية بعد حرب تشرين 2023 التي سُمّيت “طوفان الاقصى”، فلنتوقّف عند مفهوم الانسانية لدى الدول التي تدّعيها.
هذه الدول اصطفّت بالدور خلف “إسرائيل” بفائق الانسانية الاستنسابية.
وهذه الدول هي نفسها التي ساعدت الصهيونية على احتلال أرض عربية ليست لها، ووعدتها بهذه الأرض “من كيس غيرها”، وساهمت بالتالي في نشوء كيان عنصري تقسيمي مصطنع، مزروع بين شعوبنا العربية، وأدّت إلى تهجير شعب وتشتيته، وتوزيعه لجوءاً على دول بالكاد تحتمل.
وهذه الدول التي تبكي على الأسرى “الإسرائيليين”، لم تذرف دمعة على أسرى فلسطين ولبنان القابعين منذ سنين في سجون الظلم.
وهذه الدول التي انتبهت إلى أن هناك في هذا العالم أطفالاً ونساء وشيوخاً، لم ترَ المجازر الدموية بحق هؤلاء على امتداد أرض فلسطين وبلداننا العربية.
وهذه الدول لم تتوقف عند سرقة الحقوق، وأولها الحق في الحياة لدى الفلسطينيين، ولم تأسف لعدم تنفيذ “إسرائيل” أي من القرارات الأممية.
وهذه الدول لم تنتبه سابقاً إلى الحصار، ولا أذاها استشهاد شيرين أبو عاقلة، وقافلة الإعلاميات والإعلاميين المرتقين بالشهادة.
وهذه الدول انتفضت من أجل الصهاينة، ولم يرف لها جفن لتدنيس مقدسات العرب، مسلمين ومسيحيين، والمآذن شاهدة وكذلك الكنائس.
وهذه الدول نسيت كل المعارك والحروب التي خاضها العدو منذ عقود، واستفاقت اليوم على ثورة غضب باتت حقاً مطلقاً بعد سلسلة الاعتداءات وسلاسل الاحتلال والاستيطان، والإتيان من البحر والبر والجو بأعتى آلة عسكرية لم تحترم يوماً القانون الدولي الانساني.
إنسانيتهم هي مع من اغتصب الانسان وأرضه، ومع من اعتدى، ومع من ظلم، ومع من احتلّ، ومع من هجّر وتاجر بممتلكات غيره.
إنسانيتهم لم تحرّكها صور أطفال غزة، ومحمد الدرّة في ذاكرتنا، ولا أثّرت بهم صرخات النساء الفلسطينيات وهنّ يودّعن أزواجهن أو أبناءهن إما إلى الأسر أو إلى القبر.
هذه الدول تمارس إنسانيتها بلا عدالة وبغياب العدالة. الإنسانية حتماً غائبة.
الانسانية الاستنسابية ليست بإنسانية، والأبشع من هذه الدول هم أبناء دولنا الذين يتعاطفون مع العدو، ضد إنسانهم وأوطانهم!