زلزل الرد الإيراني أسس الكيان الإسرائيلي القائم على الإنعاش الأمريكي منذ السابع من أكتوبر، عندما نفذت المقاومة الفلسطينية بعملية طوفان الأقصى، التي عرت الكيان بكل ما أوتي من قوة أمام حركات المقاومة في المنطقة، والتي رسمت خارطة الشرق الأوسط الجديد منذ العام 2000 يوم الاندحار الإسرائيلي من جنوب لبنان.
اختلال التوازن يومذاك لصالح المقاومة ومن خلفها إيران وسوريا ضرب مشروع إسرائيل الكبرى لتأتي الضربة القاضية عام 2005 بالانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، ليبدأ مشروع إسرائيل العظمى الذي انتهى سريعًا عام 2006 بالهزيمة الإسرائيلية في حرب تموز، لتبدأ مرحلة جديدة قوامها إسرائيل القوية بالتوازي مع ضعف جيرانها، والتي ظهرت بمحاولة تقسيم المنطقة إلى كانتونات طائفية شيعية وسنية ومسيحية لتعطي شرعية للدولة اليهودية على أرض فلسطين.
وفي كل تلك المراحل كان جيش الاحتلال في موقع الهجوم الذي يحارب على أرض غيره، إلى أن كانت عملية طوفان الأقصى التي قلبت الموازين رأسًا على عقب، والتي أكدت على ثبات محور المقاومة الممتد من إيران إلى فلسطين مرورًا بالعراق وسوريا ولبنان واليمن.
المعركة التي فتحت جبهات عديدة وضعت رئيس وزراء العدو أمام تحديات اقتصادية وسياسية وعسكرية، خاصة فيما يتعلق بالمفاوضات حول الأسرى، والتي بدا فيها نتنياهو أكثر تخبطًا كلما غرق في وحول غزة، والتي يحاول فيها شراء الوقت قبل إسدال الستار على حياته السياسية ومستقبل حزبه، خاصة بعد تمسكه بالتحالف مع اليمين المتطرف الذي أوصل الكيان إلى حالة الانقسام العمودي بين مكوناته.
وفي محاولة لشراء الوقت هاجم جيش العدو القنصلية الايرانية في دمشق، ليتلقى ردًا مباشرًا من طهران أدى إلى تهشيم صورة الكيان أمام العالم، حيث ظهر في موضع الضعيف العاجز عن الدفاع عن نفسه إلا بمساعدة الولايات المتحدة الأميركية، وفي إطار الرد على الرد تم استهداف أحد المطارات العسكرية في محافظة أصفهان الإيرانية دون تبني واضح وحقيقي، في محاولة لحفظ ماء الوجه أمام اليمين المتطرف المهدد بفرط عقد الحكومة.
السيناريوهات أمام نتنياهو محدودة جدًا، أبرزها العودة إلى حرب الظل مع طهران، تحت حجة اجتياح رفح، والتي سيضعها نتنياهو نصب عينيه، للحد من الضغوط الشعبية حول تحرير الأسرى لدى حماس دون قيد أو شرط، ولكن هذا السيناريو سيؤثر على قوة الردع الإسرائيلية أمام حلفائها العرب، إلا أنها سترضي الولايات المتحدة الأمريكية الرافضة لدعم أي حرب إقليمية تقترفها حكومة نتنياهو.
السيناريو الثاني هو توجيه ضربة علنية لإيران تجبر إيران على الرد بضربة أقوى مما يؤدي إلى تدحرج الحرب الكبرى في المنطقة، والتي ستكون حربًا مفتوحة على جميع الجبهات، إلا أن واشنطن تحاول في كل مرة أن تهدئ من الاندفاع الإسرائيلي لهذه الحرب تحت طائلة توقف الدعم العسكري.
السيناريو الثالث هو توجيه ضربات قاسية لقوى المقاومة في وقت واحد دون إيران، في محاولة لفرض معادلات جديدة تدفع بقوى المقاومة بالإنشغال بنفسها على حساب القضية الفلسطينية، ولكن هذا السيناريو لا ضامن من تمدده إلى حرب تشعل المنطقة بأسرها، خاصة أن الجيش الإسرائيلي بدأ في مرحلة الإنهاك والتراجع.
في المحصلة يبدو أن ضربات أصفهان ليست إلا رسالة إلى الداخل الإسرائيلي لتهدئته أمام النكسة الكبرى التي حلت به عبر الضربات الايرانية، في إنتظار رد مناسب ومحسوب يرضي التوازنات الداخلية والخارجية ولا يضع حلفاء الكيان في المنطقة أمام مواجهة مسلحة مع إيران.