الاخبار الرئيسيةالصحافة اليومعربي ودوليمقالات

اشتعال الساحل السوري: الحرب الأهلية تطلّ برأسها

اشتعال الساحل السوري: الحرب الأهلية تطلّ برأسها

كتبت جريدة “الأخبار”:
بشكل متسارع، ينزلق الساحل السوري نحو حرب أهلية دموية ترتدي الزي الطائفي، على وقع انتهاكات يرتكبها عناصر «الأمن العام» التابعون للإدارة السورية الجديدة، وهجمات خاطفة تنفّذها جماعات مسلحة ضد قوى الأمن، أظهرت تسجيلات مصوّرة أنها أودت بحياة عدد من أفراد تلك القوى. ويأتي هذا في وقت انتشرت فيه بيانات عديدة تعلن ولادة مجموعات هدفها محاربة الإدارة، أبرزها بيان تشكيل «لواء درع الساحل»، وبيان إنشاء «مجلس عسكري لتحرير سوريا»، حمل توقيع عميد في الجيش السوري السابق.

وبينما لا تُعتبر الأوضاع التي وصلت إليها مناطق الساحل السوري (محافظتا طرطوس واللاذقية) مفاجئة، في ظل الحملات الأمنية الاستعراضية التي تعرّضت لها قراها وبعض أحياء مدنها، وآخرها حي الدعتور في اللاذقية – وما تخللها من عمليات تخريب للممتلكات العامة، ومنع للسكان من إقامة مجالس عزاء لضحايا هذه العمليات، التي استُخدمت فيها رشاشات ثقيلة -، تكشف الهجمات الجديدة عن تحضيرات وتخطيط دقيق لتنفيذ تلك الهجمات، إذ جاءت متزامنة على أكثر من محور، وتمثّل أبرزها بالهجوم الذي طاول قافلة أمنية قرب قرية بيت عانا على طريق اللاذقية – طرطوس، وأدى إلى مقتل وإصابة عدد من عناصر الأمن، وتلك التي استهدفت حواجز في مدينة جبلة، ومقر الكلية الحربية.

وتزامنت الهجمات التي ردّت عليها قوى الأمن بشكل عنيف عبر استخدام الحوامات والمدفعية في مناطق ريف اللاذقية، مع خروج تظاهرات عديدة في طرطوس وجبلة وبعض مناطق دمشق (المزة)، أظهرت تسجيلات مصوّرة استخدام القوى الأمنية الرصاص الحي لتفريقها، في وقت تعرّضت فيه منشآت حكومية عديدة للإحراق والتخريب. وأتت هذه التظاهرات بعد دعوات وجّهتها صفحة على موقع «فيسبوك» تحمل اسم «المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر»، وهو مجلس ديني أُنشئ حديثاً يقول إنه يمثّل الطائفة العلوية في سوريا، إلى التظاهر والاعتصام بشكل سلمي رداً على الانتهاكات والحملات الأمنية المستمرة.

وجاء في البيان الذي نشره «المجلس» أنه «منذ سقوط النظام التزمنا الحكمة وضبط النفس، ليس ضعفاً، بل إيماناً بوطننا وبالسلم الأهلي، وطالبنا مراراً بتسليم قائمة المطلوبين، وفتح المجال لدخول الوجهاء مع حملات التفتيش، لكن قوبلت مطالبنا بالتجاهل والمماطلة». وتابع أن «انفلات العناصر» انعكس في «التعدّي على ممتلكات الأبرياء، وإطلاق العبارات الطائفية على الملأ، موثّقة بالصوت والصورة، تزامناً مع حملات الترهيب والقتل اللذين لم ينجُ منهما المدنيون ولا الأطفال»، داعياً «أبناء الساحل السوري إلى اعتصام سلمي في الساحات، لنصرة أهلكم في قرى جبلة، وإعلاء صوت الحق في وجه الظلم. تظاهروا بقوة، لكن بحكمة، لا ترفعوا إلا الشعارات الوطنية، ولا تمسوا الممتلكات، فنحن نريد حماية أهلنا»، وفق البيان.

ومع تصاعد الأحداث، بدا لافتاً تكثيف الطائرات الحربية الروسية تحليقها في أجواء المنطقة، وعلى علو منخفط، في ما يبدو أنه رسالة مباشرة من موسكو بأنها لا تزال موجودة وتتابع الأحداث عن كثب. ومع بدء الهجمات، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مصوّرة وصوتية لقيادي يدعى المقداد فتيحة، في «لواء درع الساحل»، أعلن فيها عن «ساعة الصفر»، وتحدّث عن خطة تهدف إلى «طرد الإرهابيين وعصابات الجولاني من الساحل السوري كاملاً»، في وقت دعا فيه عبر تسجيل آخر إلى انتفاضة على جميع الجبهات، بما فيها حمص.

أصدرت الإدارة السورية الجديدة قراراً بحظر التجول في طرطوس وجبلة وحمص

وإلى جانب ذلك، تداول ناشطون بياناً مكتوباً يعلن إنشاء «مجلس عسكري لتحرير سوريا»، جاء فيه أنه «بعد أن عجز الإرهاب الجهادي المتطرف الذي استولى على وطننا بمساندة قوى خارجية، والقائم حالياً بسياسة الأمر الواقع، دون مسوّغ قانوني أو دستوري، وبعد عجزه بشكل كامل عن حماية الوطن والمواطنين، وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية والإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ البلاد، وبعد أن استبيحت أرضنا من قبل قوى خارجية، فإننا نحن القوات المسلحة السورية الوطنية، نعلن عن إنشاء مجلس عسكري لتحرير سوريا».

وحدّد البيان المشار إليه والذي حمل توقيع العميد ركن غياث سليمان دالا، جملة من الأهداف أبرزها «تحرير كامل التراب السوري من القوى المحتلة والإرهابية»، و«إسقاط النظام القائم وتفكيك أجهزته القمعية الطائفية المَقيتة»، و«حماية أرواح وممتلكات المواطنين السوريين»، و«إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس وطنية وديمقراطية»، بالإضافة إلى «تهيئة الظروف لعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم». ووعد بـ«إقامة دولة سورية موحّدة ذات سيادة تحترم حقوق الإنسان وتضمن العدالة والمساوة لجميع أبنائها»، داعياً السوريين من جميع المناطق والطوائف والأعراق إلى الانضمام إلى هذا المجلس.

في المقابل، أعلن مدير إدارة الأمن العام في محافظة اللاذقية، التابع للإدارة السورية الجديدة، المقدم مصطفى كنيفاتي، أنه «ضمن هجوم مدروس ومعدّ مسبقاً، هاجمت مجموعات عدة من فلول ميليشيات الأسد نقاطنا وحواجزنا، واستهدفت العديد من دورياتنا في منطقة جبلة وريفها، ما نتج منه سقوط العديد من الشهداء والمصابين في صفوف قواتنا». وتابع: «لم تسلم المباني الحكومية والممتلكات العامة وحتى الخاصة من هجوم فلول ميليشيات الأسد، حيث قاموا بتخريب وتكسير المرافق العامة في مدينة جبلة ومحيطها».

وأضاف «(أننا) استنفرنا قواتنا في المحافظة بشكل كامل، وتمكنّا من امتصاص هجومهم في ريف جبلة، ولا تزال الاشتباكات مستمرة معهم داخل المدينة»، مشيراً إلى أن «مؤازرات عديدة من قوى الأمن قادمة من محافظات أخرى وصلت، بالإضافة إلى استقدام تعزيزات عسكرية من وزارة الدفاع» (في إشارة إلى الفصائل التي قامت بحل نفسها وتشكيل وزارة دفاع جديدة). وبالفعل، أظهرت تسجيلات مصوّرة وصول أرتال من «القوة المشتركة» التي يقودها «محمد الجاسم» (أبو عمشة)، فيما بيّنت تسجيلات أخرى وصول تعزيزات عسكرية كبيرة تضم طائرات مُسيّرة.

وفي محاولة لضبط الأمن وتهدئة الأوضاع، أصدرت الإدارة السورية الجديدة قراراً بحظر التجول في طرطوس وجبلة وحمص، في وقت ظهر فيه المسؤول الأمني في جبلة، ساجد الديك، عبر تسجيل مصوّر، أعلن خلاله أن «الأمور تحت السيطرة من قبل قوات الأمن والجيش ولا داعي للتهويل»، متابعاً أن «الطائفة العلوية لا علاقة لها بالمسلحين الذين أطلقوا النار على قوات الأمن اليوم، ونرجو الابتعاد عن التجييش الطائفي». وفي غضون ذلك، خرجت تظاهرات في إدلب وحمص وبعض مناطق اللاذقية مؤيدة للإدارة السورية الجديدة، كما تم إطلاق دعوات إلى «النفير العام والجهاد» عبر مكبّرات الصوت في مساجد إدلب، على وقع احتقان طائفي غير مسبوق، ربما ينذر بحرب أهلية دموية جديدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى