استعادة لمقولة “رئيس الجمهوريّة يترشح عروبياً وينهي عهده انعزالياً”
الديار - كمال ذبيان
سادت مقولة في لبنان، ان رئيس الجمهورية، “يترشح عروبياً وينهي عهده انعزالياً، وثمة نماذج مارست ذلك عندما مرت في رئاسة الجمهورية، التي يتصارع الموارنة عليها، يساعدهم في ذلك نظام سياسي قاعدته طائفية، وقد بني على ما سُمي “الميثاق” غير المكتوب بين بشارة الخوري ورياض الصلح، وما لبثت صيغة “العيش المشترك” ان اهتزت، لا بل اخذت لبنان الى طرح صيغ تقسيمية، والدعوة الى “فدرالية” و”كانتونات” طائفية ومذهبية.
ولم يكد شهر يمضي على انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وحصول شغور رئاسي، لعدم انتخاب رئيس للجمهورية، حتى ظهر خطاب طائفي الى العلن عبّر عنه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، في مؤتمره الصحافي الاخير الذي اعلن ان صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني تحديداً، انتهكت بدعوة رئيس حكومة تصريف الاعمال السني نجيب ميقاتي الى جلسة استثنائية، للبحث في شؤون حياتية وصحية وخدماتية تتجاوب مع حاجة المواطنين الضرورية اليها، لكن هذا ما لم يعجب باسيل، الذي شهر سيفه ضد حليفه “حزب الله” الذي لم يتضامن معه، وحاول اقناع المسيحيين، بان المسلمين ينالون من صلاحيات رئيس الجمهورية، ويعقدون جلسة غير ميثاقية بغياب المكون المسيحي الاساسي عنها، وهذا اعتداء كما وصفه باسيل من بكركي بانه ليس فقط على رئاسة الجمهورية، بل على الجمهورية والكيان، والذي استتبعه الرئيس عون بزيارة بكركي بعد ساعات ولقاء البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وطرح امامه ما فعله ميقاتي من خرق للدستور والميثاقية وهو ما سبق وابلغه باسيل لسيد بكركي، الذي اخذ بالملاحظات، دون اتخاذ موقف تصعيدي.
فما اعلنه عون بعد باسيل، قرأت فيه مرجعية سياسية لا طائفية، بانه استدراج عروض للمسيحيين عموما والموارنة خصوصا، بان هناك من يدافع عن حقوقكم، وموقع رئاسة الجمهورية، كما الكيان الذي ما زال بعض الموارنة ينظرون الى “دولة لبنان الكبير” بانها انشئت لهم من فرنسا ومساعي البطريرك الياس الحويك، واعطيت لهم رئاسة الجمهورية ومعها صلاحيات، وبحيث تم ربط الكيان بالطائفة، وعندما تصبح حقوق الطائفة المارونية بخطر، يهتز الكيان، الذي ما زال الغموض قائما على هويته، بالرغم من ان اتفاق الطائف سماه عربياً، لكن دون تحديد مواصفات للعروبة الملتسبة ، هل “العروبة الوهمية” او “الدينية” او “المطبعة” مع العدو الاسرائيلي، يقول المرجع الذي يختصر الازمة في لبنان، بانها هوية ونظام، وما زال الخلاف قائما حولهما منذ عشرينيات القرن الماضي.
وهذا الخلاف ظهّره باسيل، عندما اشار الى عدم نيل الموارنة حقوقهم والتعدي على رمز وجودهم في السلطة رئاسة الجمهورية، فان اقامة “اللامركزية الادارية والمالية الموسعة”، ستصبح قائمة بالامر الواقع اذا لم تحصل بالقانون ويشرع لها، وقد سبق ورُفض هذا الطرح من مكونات طائفية وسياسية، وهو يلتقي مع طروحات التوجه الانعزالي الذي كان دائما ينظر الى لبنان من منظار طائفي، يتعلق بحقوق ومصالح طائفة، واذا لم يكن لبنان جامعا، لمطالب الطوائف، فليكن الطلاق.
فالحملة التي يخوضها باسيل ويؤيده فيها الرئيس عون، تحت عنوان الاعتداء على صلاحيات رئيس الجمهورية بما تمثل من موقع مسيحي، من خلال رئيس الحكومة السني، واعطاء الصراع السياسي والدستوري طابعه الطائفي ينذر بمخاطر كبيرة على لبنان، يقول المرجع الذي يصف المرحلة الحالية، بتلك التي سبقت الحرب الاهلية، عندما كان رئيس الحكومة السني يشعر بانه ليس شريكا فاعلاً في السلطة، ويأتي باسيل اليوم ويقول، بان الموارنة مغلوبون، في ظل عدم احترام الشريك المسلم لدور رئيس الجمهورية، الذي شاءت الظروف السياسية الداخلية والخارجية ان لا تحصل الانتخابات الرئاسية، التي لا يتم ملء الشغور فيها، بخطاب سياسي بقناع طائفي.
ولبنان امام ازمة وجودية ككيان موحد، لان نظامه القائم، ياخذه دائما الى الازمات والحروب، تحت عنوان حقوق الطوائف، حيث يحّضر له سيناريو انقسام سياسي طائفي يستعجل الحرب الاهلية.