اختلاف التوجهات الرئاسية والوزارية يعيق عملها ويُضِعف زّخْمَها.. تعثر حكومة سلام في خطواتها الاولى
كتب غاصب المختار في “اللواء”:
تشي الأشهر الثلاثة الأولى من تكليف الرئيس نواف سلام وتشكيله الحكومة بالطريقة التي أثارت اعتراضات، والاجراءات التي نفذها في ما خصّ التعيينات التي حصلت والآلية التي أقرّها مجلس الوزراء، وبعض المواقف التي اتخذها هو وبعض الوزراء من موضوع سلاح المقاومة للإحتلال ومقاربة ملفات الإصلاح والتأخير في البدء بها، بأن أمور الحكومة ليست على ما يرام كما يشتهي، وان أمامها عثرات وربما مطبات قد تؤدي الى تراجع زخمها السياسي والشعبي، بعدما ثبت بالوجه الشرعي الرسمي ان شيئاً كثيراً لم يتغيّر عن الممارسات الرسمية السابقة لجهة تجدّد المحاصصة، ومحاولة مصادرة واحتكار القرار من مجلس الوزراء مجتمعاً، في ظل الصلاحيات المحدودة لرئيس الجمهورية، بغضّ النظر عمّا يتردد عن خلافات بين الرئيسين حول بعض الأمور ومنها التعيينات، وربما يكون «الحبل على الجرّار» لاحقاً طالما ان العهد والحكومة في أشهرهما الأولى وأمامهما الكثير من الملفات لإنجازها والتي تحتاج توافقات سياسية وحكومية… ورئاسية بالطبع.
يضاف الى ذلك التراخي الحكومي في مواجهة الاعتداءات والخروقات الإسرائيلية وفشل الشكاوى الى الدول الراعية لإتفاق وقف اطلاق النار ولجنة الإشراف عليه في وقفها، وتعثّر ترتيب العلاقة مع سوريا ولو بقرار سوري وليس لبنانياً، وعدم الانفتاح العربي والدولي الكافي بعد على لبنان لجهة تقديم الدعم ولو المحدود للدولة والاقتصاد ورفع حظر السفر، نتيجة ربط كل هذه الأمور ظاهراً بتنفيذ ولو جزء من الاصلاحات التي وعدت بها الحكومة، والتي ما زالت مجرد عناوين ووعود لم ينفذ منها ولا بند واحد، حتى إيجاد المقر الخاص لمجلس الوزراء وهو من أبسط الأمور، بينما في الجوهر اتضح ان الدعم والمساعدات مرتبطة بقرار وضغط أميركي واضح بذهاب لبنان الى مفاوضات سياسية مع كيان الاحتلال حول كل الملفات الأمنية والحدودية ولاحقا السياسية.
أعان الله الرئيس سلام وحكومته على تنفيذ ما تعهّدا به من ملفات ضخمة يحتاج تنفيذها أشهراً طويلة إن لم يكن سنوات، فأي قرار يتخذه مجلس الوزراء لا يمرّ «بكبسة زر أو شحطة قلم»، بل يحتاج قبل اتخاذه الى توافق حكومي أولاً، طالما ان الحكومة ضمّت نفس القوى السياسية التي طالما اختلفت في مجلس الوزراء في العهود السابقة على الكبيرة والصغيرة وتعطّلت الأعمال، ويحتاج الى تعاون سريع وفعّال من مجلس النواب، الذي تعهد ايضاً بالمساهمة في الاصلاحات، وفشل في الخطوة الأولى نحوه بعد الخلاف في اللجان النيابية المشتركة على قانون الانتخاب الإصلاحي الجديد وعلى تشكيل مجلس الشيوخ وهما بندان من إصلاحات دستور تفاق الطائف، فكيف إذا بدأ مقاربة الإصلاحات الأخرى؟
وفي هذا المجال، تعتبر جهات سياسية ان الحكم «كبّر حجره» وتعهد بتنفيذ الكثير من الأمور في مهلة السنة الفاصلة عن الانتخابات النيابية التي ستطيح بالحكومة الحالية وتحوّلها الى حكومة تصريف أعمال مقيّدة الصلاحات لا سيما بوجود رئيس للجمهورية هذه المرة بحيث انها لن تستطيع أن تأخذ دور الرئيس وصلاحياته الدستورية. وإذا استمر الأداء على حاله، فربما لن يتحقق شيء كثير خلال هذه السنة، وبخاصة في ظل الشح المالي وعدم وصول الدعم الخارجي الموعود لرفد مالية الدولة بالمال اللازم لتنفيذ بعض المشاريع التي تعهدت بها الحكومة وأبرزها وأهمّها إعادة إعمار ما هدّمه الاحتلال الإسرائيلي، وإصلاح البنى التحتية، وتنفيذ المشاريع الموعودة للعاصمة بيروت ولطرابلس وعكار وغيرها من مناطق تحتاج الى التنمية السريعة عبر مشاريع ضرورية ولو بسيطة.
اختار الرئيس سلام وزراء حكومته بناء لمعايير ومواصفات وضعها ولم تخلُ من المحاصصة السياسية، وحصر اختيار بعضهم بنخبة محدودة من جهة أهلية وسياسية واحدة تقريباً على أمل أن يحصل انسجام بين الوزراء ويتوقف التعطيل، لكن تبيّن ان لهذه الجهة الأهلية مشاريع وتوجهات خاصة خارج سياق توجهات العهد الجديد وطريقة عمله. وبدا مما أثير حول وزير الاتصالات بعد قراره المفاجئ إنهاء مهام رئيس هيئة اجيرو، عدا إقرار موازنة 2025 بمرسوم على رغم علّاتها ما أتاح تقدم الطعون النيابية بها برغم توضيحات الحكومة لأهمية اقرارها حتى يتوقف الصرف على القاعدة الاثني عشرية، لكنها حملت مخالفة دستورية حسب النواب الطاعنين بأنها أُقرّت من دون قطع حساب، ناهيك عن الرسوم والضرائب غير المباشرة الباهظة التي تضمنتها والتي زادت أعباء المواطنين، وجاء تعديلها ليطال شريحة بسيطة من هذه الرسوم والضرائب.
كل هذه الخطوات أشارت الى تعثّر في انطلاقة الحكومة كما توقّع رئيسها والمراهنون عليها، واللافت للإنتباه ان الرئيس سلام أعلن في حديث تلفزيوني انه كلما اشتدّ الضغط عليه كلما تمسّك أكثر بقناعاته وإجراءاته، وهي كانت موضوع شكوى من التفرّد في بلد قام وسيبقى قائماً على التفاهمات. فهل يُصحح دولة الرئيس من طريقة عمله لأن لبنان لم يصل بعد ليكون الجمهورية الفاضلة.