احتلالات “out of the box”!

رندلى جبور

كتبت رندلى جبور

لم يعد الاحتلال يعني سيطرة جيوش أجنبية على بلد آخر إلا في ما ندر. فقد اكتشف المستعمِرون والمحتلون أن هذا النوع من الاحتلالات بات مكلفاً جداً، مادياً وبشرياً ولوجستياً، وهو ليس ذات مردود سياسي عالي في المقابل.

ولذلك صارت الاحتلالات خارج العلبة، أو ” out of the box”، وبتنا نتحدث عن أجيال متطورة لها، ونجد لها صوراً في لبنان، ونتائجها بالنسبة للمحتل الـ moderne أهم بكثير من الاستعمار التقليدي أو الحروب الكلاسيكية، لأنها تطاول ليس فقط الأرض والسياسة والأمن، بل العقول، وهي الاهم.

ونذكر على سبيل المثال لا الحصر:

– احتلال الـ NJOs، أو المنظمات غير الحكومية ذات التمويل العالي جداً، والتي تأتي بعناوين إنسانية واجتماعية وحقوقية برّاقة، فتشدّ الناس إليها، وهي في الواقع تنفّذ سياسات دول كبرى، وتسهم في تسلل هذه السياسات إلى العقول على اعتبارها طوباوية، وتعبر منها إلى الأوطان والأرض. وفورة الـ NJOs الأقوى كانت انطلاقاً من 17 تشرين التي سرّعت في الانهيار الاقتصادي، وساهمت في “شيطنة” الجيّدين وفي تجميل قباحة الفاسدين.

– احتلال الإعلام الذي بات مركّباً، ويقبض الملايين، ويصنع بها برامجه ونشراته الاخبارية وصفحاته التواصلية، ويختار على أساسها ضيوفه والمصفقين لهم، ومصطلحاته، والسياقات، ويخلق أبطالاً وهميين، ويخترع قصصاً موجهة، ويطلق الشائعات، ويعمي الحقيقة، ويحمي البشعين، وينقل ما يريده الآخرون إلى عقول شعبنا وإلى أرضنا.

– احتلال العقوبات المتخذة على أساس سياسي تجاه دول وأشخاص، فيخنق هذه الدول ويقيّد الأشخاص، ويحدّ من حرية حركة من لا يوالي السلطان الأعظم.

– احتلال المال الذي جعل الدولار امبراطوراً، والحصار وسيلة ناجعة للإخضاع، فيكفر الناس ويقولوا “فلنفعل ما يشاؤون، المهم ان نرتاح”، وكأنهم لا يعرفون أنهم إذا خضعوا فإنما كتبوا نهايتهم الأكيدة بأيديهم.

وبعد، هي احتلالات بالوكالة، بطرق حديثة مدروسة في أهم مراكز الدراسات، ولدى المنظرين الكبار، ليصنع الكبار عالماً على هواهم، من دون كلفة عالية، ويروضون الشعوب المسمّاة ثالثة، ويخدّرونها، ليرسموا مستقبلنا نحن بأيدهم هم.

والمواجهة هي فقط بالوعي. هي معركة وعي وعقول، والخروج من العلب التي خلقوها لنا، ونحن، كما هم، يمكننا الخروج out of the box.

الأطر هي حدود المعارك القائمة.

Exit mobile version