ابو وديع في يوم الوداع

كتب البير خوري:

متهالكا متهاويا منطويا على بعضه البعض..سلطان غير سلاطين الفانية يعصره الألم وبالكاد يتنهد كلماته من روحه الطالعة.يحاول ابو وديع اخفاء دموعه السخية والحارة خلف نظارة سوداء لكن شهقاته تخونه وهو يخاطب طليقته” وديع راح يا ام وديع…”
المشهد كئيب وحزين، خصوصا وان ام وديع المكسورة هي الأخرى مثل طائر جريح اخذت بكفي طليقها تقبلهما وهي تحاول انتشال السلطان من انفجار دماغي او جلطة قلبية يهددان حياته في لحظة يسيطر عليهاسلطان الموت. لقد سقط الشاب وديع فجأة وباكرا، وهو الذي قبل ايام يغرد للحياة.ديناميكي، كريم ومعطاء،لم يبخل ولم يرفض طلب احد..وكم من العائلات المستورة وفنانين واعلاميين غدرت بهم الأيام عاشت وما زالت على كرمه المستور وبغير منية.كان الوديع على اسمه ” قبضاي” الفارس المقدام والشجاع ورفيقا دائما لسلطان الطرب في السراء والضراء..في قمة امجاده كما في ازماته المرضية والنفسية..
“راح وديع يا ام وديع”..عبارة استعيد فيها ما نقل عن لسان النبي الأكرم:” اذا فقدت ابا تيتمت،واذا فقدت اما فقدت الحنان واذا فقدت ابنا فقدت الحياة..” بهذا المعنى رحيل الوديع احنى ظهر السلطان المفجوع لكنه ظل مرفوع الرأس على ايمان راسخ بأن” لا يصيبنا الا ما كتب الله لنا” وأن الموت حق الهي،لكن هذا الحق فاجأ وتسارع في خياره، خصوصا وأن الراحل الشاب،وبما ورثه عن ارضه واجداده ووطنه وعروبته من عزة في النفس وكرم واقدام، كان مثالا يحتذى في الشهامةوالتواضع والطيبة والأخلاق..لم يتخل عن مشرقيته، ولا عن الكفرون، بلدته الطيبة ناسا وطبيعة التي زفته عريسا لها وللسماء. لم تبهره الأضواء ولا السلطة ولا المال، بل ظل هذا الطفل القروي يزرع البسمة اينما حل، تماما كما السلطان زرع الأهات فرحا وحبا وطربا وجمالا بصوته العابر للقارات وانسانيته وتساميه عن الصغائر.
صحيح ان ابا ودبع اخطأ مرات ومرات، هو الذي دخل الساحة الفنية مراهقا وارتقى الى النجومبة سريعا متسلحا بوزنات صوتية حولها الى اغنيات رائعة وخالدة، لكنه ظل رغم التجارب الشيطانية التي داهمته،الأب المثالي الراعي لأهله وقيمه وتقاليده وفنه الراقي..وما هذه الجماهير التي زحفت من كل لبنان وسوريا والبلاد العربية الا دليلا على ان السلطان يستمر ايقونة انسانية وعائلية وفنية لا تتكرر، وان الوديع بسلوكيته وعطائه وشهامته يبقى ذكره مؤبدا.

Exit mobile version